2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في محاولات التسلل سباحة من مدينة الفنيدق إلى سبتة المحتلة، ما تسبب في سقوط عشرات الضحايا والمفقودين على شواطئ المدينة المغربية ونظيرتها في الضفة الأخرى. هذه المحاولات التي تحولت إلى ظاهرة مأساوية تعكس الواقع الصعب الذي يعيشه الكثير من الشباب في المنطقة، حيث يدفعهم اليأس والإحباط الناتج عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة إلى المجازفة بحياتهم في سبيل الوصول إلى أرضٍ يرون فيها فرصة لحياةٍ أفضل.
تفاقم هذه الظاهرة يعود لعدة عوامل مترابطة، فالبطالة المتفشية، وندرة الفرص الاقتصادية، بالإضافة إلى الإحباط الناجم عن انسداد الآفاق المستقبلية، كلها عوامل تدفع الشباب نحو اتخاذ هذه الخطوة الخطيرة. تراجع النشاط الاقتصادي في الفنيدق ومحيطها بعد إغلاق الحدود مع سبتة السليبة، وغياب البدائل التنموية، أسهم بشكل كبير في تضييق الخناق على سكان المنطقة، مما جعل حلم الوصول إلى سبتة السليبة بأي وسيلة، حتى وإن كانت خطيرة، الخيار الوحيد أمامهم.
وفي هذا الصدد، قال البشير اللذهي، الكاتب العام لجمعية الدفاع عن حقوق الانسان فرغ تطوان، إن “ظاهرة الهجرة السرية ليست وليدة اليوم، بل كانت حتى قبل توقيف التهريب المعيشي، وحين كان يسمح لساكنة تطوان والنواحي بولوج سبتة السليبة بجواز السفر فقط، حيث كانت بعد النساء تقمن بالتخلي عن أطفالهم في دور الرعاية هناك حتى يحصلو على الجنسية أو أوراق الإقامة”.
وأضاف المتحدث أن “عمليات الهجرة والنزوح التي نراها اليوم، والتي رأيناها سابقا حين كانت العلاقة متوترة بين المغرب وإسبانيا، جاءت بعد إغلاق الحدود إبان فترة الحجر الصحي، وفرض التأشيرات بعد فتحها لاحقا. هؤلاء القاصرين والراشدين على حد السواء، تمكن العديد منهم من الوصول إلى الثغر المحتل ومنه إلى إسبانيا، وتمكنوا أيضا من العودة إلى المعرب بعد تسوية وضعيتهم القانونية بإسبانيا، الأمر الذي شجع العديد من زملائهم ومعارفهم على خوض نفس التجربة المحفوفة بالمخاطر، ومن هنا جاء ارتفاع محاولات التسلل الفردية والجماعية إلى سبتة المحتلة، التي حولت السواحل المقابلة للغر المحتلة والفندق إلى مقبرة للقاصرين والمهاجرين السريين”.

وفيما يتعلق بالأسباب المجتمعية لهذه الظاهرة، يقول اللذهي، إن “عددا كبيرا من الأسر التي كان مصدر رزقها التهريب المعيشي بشكل مباشر أو غير مباشر، أصبحت تفكر في الهجرة وترى في سبتة المحتلة الكنز المفقود الذي سينتشلها من براثن الفقر”. مضيفا أن “غياب الوعي والتوعية بمخاطر الهجرة السرية من طرف المجتمع المدني والمقررات المدرسية وغيرها بالفنيدق على وجه المثال لا الحصر، تجعل هذه الظاهرة تتفاقم. فقد بات من الضروري توعية هؤلاء القاصرين بأن المستقبل يمكن تحقيقه هنا في المغرب، وليس دائما وراء الحدود المحفوفة بالمخاطر”.
واسترسل الحقوقي أن “أسباب تفاقم هذه الظاهرة بالفنيدق يعود بالأساس إلى إغلاق الحدود، حيث أن كل ممنوع مرغوب، إضافة إلى الوضعية الاجتماعية، إذ بات من الضروري تنمية المنطقة اقتصاديا وخلق فرص شغل، فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمنطقة الصناعية الجديدة لم يتم لحدود الساعة تنزيلها بشكل ينتشل شريحة واسعة من المجتمع الذي يشتغل أغلبهم في التجارة الموسمية أو معمل إعادة التدوير أو برنامج الإنعاش الوطني، وهي مشاريع ستتوقف عاجلا أم آجلا، مما سيزيد من توسع رقعة ظاهرة الهجرة السرية بالإقليم”.
وأوضح اللذهي أن “عاملا آخر يساهم في تفاقم الظاهرة، ألا وهو انتشار عدد من الصفحات والحسابات الوهمية على مواقع التواصل، التي تحرض وتشجع على الهجرة السرية، والتي غالبا ما يكون ورائها تجار المآسي وتجار البشر، التي توهم الشباب والقاصرين أن حدود الشغر المحتل فتحت، حتى تخلق حالة فوضى وتستفيد منها من أجل تنفيذ عمليات للتهجير السري مقابل مبالغ مالية، والتي تقوم بدورها بالنصب على شبان أو الرمي بهم في البحر معرضة حياتهم للخطر كما هو الأمر في وقائع عدة، فضلا عن قيام منظمي هاته العمليات بإيهام الشبان والقاصرين أنهم بارتدائهم بذل السباحة واستعمال طوافات سيستطيعون السباحة بسهولة إلى الثغر المحتل من الفنيدق”.
وطالب اللذهي من “مصالح الدرك الملكي تكثيف دورياتها على مستوى قرية بليونش، التي تعد هي الأخرى نقطة سوداء من حيث الهجرة السرية نو سبتة المحتلة، حيث تتواجد عدة منازل بالقرية تعد أوكارا لمافيا التهجير السري وتجارة المخدرات، وخير دليل على ذلك الصعوبة التي وجدتها السلطات في هدم المنازل المحتلة للملك البحري بالقرية المذكورة قبل أشهر”.
