2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
هل ستساهم التربية الجنسية في ردع جرائم العنف ضد النساء ؟

أعادت قضية اغتصاب “الفتاة خديجة “صاحبة الوشوم بمنطقة أولاد عياد، نقاش التربية الجنسية إلى الواجهة، بعدما دعت مجموعة من المنظمات والشخصيات والهيئات إلى اعتمادها في المقررات المدرسية والتربوية، كحل بديل من شانه أن يقلص من الاعتداءات الجنسية في حق النساء بالمغرب.
لكن هذا النقاش القديم والجديد يصطدم كل مرة، ببعض التفسيرات المؤطرة لتوجهات فكرية تقوض عملية تحويله إلى مشروع مجتمعي، يساهم في الحد من ظاهرة العنف ضد النساء بصفة خاصة، وتراجع الاعتداءات الجنسية بصفة عامة، في ظل وجود تجارب متطورة تثبت أن القوانين وحدها غير كافية بردع المتعدين جنسيا على النساء، دون ثقافة جنسية تدرس للأجيال تباعا.
عن أي تربية جنسية نتحدث ؟
تعرّف منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلم والثقافة “اليونسكو” التربية الجنسية : بأنها “نهج للتعليم عن الجنس والعلاقات الجنسية، يناسب الفئات العمرية والخصائص الثقافية المعنية، ويجري فيه تقديم معلومات علمية دقيقة وواقعية وخالية من الأحكام، بحيث يتسنى للفرد، طفلًا كان أو شابًا، التزود بالمعارف والمهارات والخيارات اللازمة ليعيش حياة جنسية نفسية مستقرة، ويتخذ قرارات مسؤولة..”، لكن الطبيعة الثقافية للمغاربة تجعل من هذا النقاش حبيس فكرة محافظة جدا، يصعب كثيرا اخراجها وطرحها على المجتمع، خصوصا وأن مصادر المعرفة الجنسية لدى المغاربة معظمها وإن كانت كلها، خاطئة وغير صحية، لا ثقافيا ولا مجتمعيا.
وفي هذا الصدد “آشكاين” تواصلت مع الخبير الاجتماعي والنفسي الدكتور جواد المبروكي الذي أقر بأنه يجب تعريف التربية الجنسية وتصحيح سوء الفهم القائم عند الرأي العام والتيارات المحافظة، حول التربية الجنسية التي ليست تلقين الأطفال طرق استهلاك الجنس مثل الأفلام الإباحية، وغيرها، بل هي مجموعة من البرامج التي تلائم سن الطفل كجميع البرامج التعليمة، بحيث تلقن للطفل احتياجاته حسب سنه و مستواه الدراسي، وأنا في نظري أن هذا البرنامج يبدأ في المنزل ثم المدرسة ثم حتى الكلية والمدارس العليا.”
ويضيف الخبير الاجتماعي أن الخطوط العريضة لهذا البرنامج تشمل تعريف الذات وحذف الطابوهات عن بعض الأعضاء الجسدية، وتعليم احترام الجسد الذاتي وجسد الآخر ، وتعليم المساواة بين الجنسين ، وتعريف ما يحدث في كل مرحلة انتقالية حسب نمو الجسد مع كيفية المرافقة في هذه المراحل (مرحلة سن الخامسة وسن المراهقة وسن الزواج)، وتقديم تصور حقيقي عن الجنس الميكانيكي والفيزيولوجي والعاطفي، وتعريف الغريزة والشحنة الجنسية كطاقة ايجابية ، ثم مفهوم العفة وايجابياتها.
هل التربية الجنسية هي الحل ؟
الدعوات التي أطلقتها بعض الهيئات والشخصيات المغربية، مستغلين قرب مناقشة البرلمان المغربي لمشروع القانون الجنائي المقرر أن يتضمن عقوبات رادعة ضد الاعتداءات الجنسية، للمطالبة بإقرار تدريس التربية الجنسية للتلاميذ، باعتبارها وسيلة أخرى للحد من حوادث الاغتصاب المتزايدة، كانت هي النقطة التي أفاضت الكأس في هذا النقاش.
إلا أن مجموعة من الآراء تختلف في قدرة المعرفة الجنسية في سياق المجتمع المغربي، أن تحد من الاعتداءات الجنسية المتكررة، باعتبار المغاربة يعيشون حياتهم الجنسية بطريقتهم الخاصة، مما يدخل المجتمع في متاهة من النفاق الاجتماعي تحول دون التطرق إلى مسائل الجنس كما يمارس في الواقع، الشيء الذي يفرز في نهاية المطاف ظواهر منحرفة تمارس في الخفاء وأخرى في العلن، وهو ما ينتج شتى الاعتداءات التي أصبحت تهدد الأمن المجتمعي لدى المغاربة.
لكن من جهة أخرى يرى بعض المتخصصين أن الأمر ليس بتلك السوداوية المطلقة، فحسب المبروكي دائما فإن دور برنامج التربية الجنسية هي المساهمة في التقليل من الممارسات العنيفة اليومية المرتبطة بالاغتصاب، لأنها برامج تربوية بالدرجة الأولى ، ولا يجب الاستغناء عنها مثلها مثل كل البرامج التربوية الأخرى ، بل هي الأهم ، لأنها تعرفنا على ذاتنا وعلاقتنا معها، ومع الآخر، وتسعى لزرع الصلح مع المجتمع والذوات فينا، وتهيئ لنا مجتمع سوي يسوده الاحترام الذاتي والاحترام بين الجنسين واكتساب الفضائل الإنسانية.
ويظيف المتحدث أيضا في تصريحه ل”آشكاين ” أن التربية الجنسية تساهم في تربية جيل مثقف وواع بحياته الجنسية السوية، وهي بمثابة الحصول على “رخصة السياقة الذاتية”، وليس من المنطق أن يسوق شخص جسده وغريزته وعلاقته مع الجنس الآخر ومع المجتمع بدون الحصول على معرفة الذات والاختلاف الجنسي، وغياب التربية الجنسية والتي تتقلص في ثقافتنا بِ “العيب والحشوما”.