لماذا وإلى أين ؟

مُرافَعَة قانونية لنَسفِ مُغالَطات هيئة التضامن مع فؤاد عبد المومني

أحمد موساوي

نشرت ما يسمى “بالهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين”، وهي هيئة مَشُوبة بعدم الشرعية لنشأتها خارج إطار قانون الحريات العامة، (نَشَرت) بيانا حول مَزاعم وادعاءات “انتهاك حقوق فؤاد عبد المومني” عند إخضاعه للبحث والاستِنطاق من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والنيابة العامة بالمحكمة الابتدائية الزجرية بمدينة الدار البيضاء.

والقراءة المتأنية لهذا البيان المفعَم بالمغالطات والجهل القانوني، تُوحي وكأن من دَبَّج البيان إنما أسرَف في مُناقضَة تصريحات فؤاد عبد المومني نفسه! فهذا الأخير تَحدَّث عن ظروف إنسانية في ضِيَافة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وأوغل في الحديث عن غِياب التعذيب والمعاملات الحاطَة من الكرامة، بينما أَسقَطت الهيئة التي قرَّرت التضامن معه كل تلك الشهادات الإيجابية، واختارت فقط اجترار خِطاب سلبي نَمطي، لا اجتهاد فيه، بل على النَقيض من ذلك يَصدَح بالجهل القانوني.

ضَمانات الأشخاص في مَرحلة ما قبل المحاكمة

لقد صَدق من قال “يفعل الجاهل بنفسه أكثر ما يفعله العدو بعدوه”! فهيئة التضامن المزعومة نَزَعت بجَهلِها القانوني نحو توريط فؤاد عبد المومني أكثر من النيابة العامة التي تعتبر “المتابعة” من صميم عملها القانوني، باعتباره خصما شريفا في الدعوى.

ففي مَعرض حديثها عن التخابر مع المحامي، قالت هيئة التضامن المفتَرضَة أن “الفرقة الوطنية للشرطة القضائية رفضت تطبيق قرار قضائي صادر عن النيابة العامة المشرفة على إجراءات البحث، والقاضي بالترخيص والإذن لهيئة الدفاع بالاتصال بمؤازَرها عبد المومني، إعمالا لمقتضيات المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية”.

والحال أن البحث مع فؤاد عبد المومني كان في إطار مُقتضَيات البحث التمهيدي، التي تُنظمها المواد 78 وما يَليها من قانون المسطرة الجنائية، ولم تَكُن مُرتَبِطة نهائيا بحالة التلبس التي مَنح فيها القانون صَلاحيات أوسَع للشرطة القضائية والنيابة العامة.

فهيئة التضامن، بِجَهلها للقانون، نافحَت ودافعَت من أجل تَطبيق أحكام حالة التلبس على فؤاد عبد المومني، رغم أنه عند توقيفه لم يَكن مُتلبسا بارتكاب الجريمة، وإنما كان مَوضوع شبهة إجرامية يقتضي البحث التمهيدي تحديدها والتحقق منها.

فالمفروض في هيئة التضامن المزعومة أن تَبحَث عن “القانون الأصلح” لفؤاد عبد المومني، وعن المقتضيات الأخفّ فيما يتعلق بالتدابير الاحترازية، لكنها بسَذاجتها القانونية سَقطت في فخ توريط فؤاد عبد المومني، واضطلعت بمهمة “المُغرِّق” الذي اقتَرن عادة بالنيابة العامة في المِخيال الشعبي للمغاربة.

لكن هل مَنعت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية فؤاد عبد المومني من التخابر مع مُحاميه؟ الجواب بالنفي. فمقتضيات البحث التمهيدي، وتَحديدا الفقرة السادسة من المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية، تَسمَح للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية بأن يَطلُب من ضابط الشرطة القضائية الاتصال بمحامي، “على أن تُرخص النيابة العامة بهذا الاتصال إبتداءً من الساعة الأولى لتمديد فترة الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز ثلاثين دقيقة”.

وبما أن فؤاد عبد المومني تم تَقديمه داخل المدة الأصلية للحراسة النظرية، ولم يَتم تمديدها بموجب أمر كتابي من النيابة العامة، فإنه من الناحية القانونية لم يَكن مَسموحا له أو حتى مُخوَّلا له الحق في طلب الاتصال بمحامي. وبالنتيجة، فإن ما رَدَّدَته هيئة التضامن يبقى مُجرَّد حَشو لغوي يَفتَقِد للتَقعيد القانوني، بل إنه يَنطوي على إساءة بالغة للوَضعية القانونية لفؤاد عبد المومني.

الجَهل بالتنظيم القضائي

اعتمدت هيئة التضامن المشُوبة بعدم الشرعية على قراءة سطحية ومَغلوطة للقانون للقول بأن “توقيف فؤاد عبد المومني كان معيبا في الشكل ومشوبا بجريمة الاعتقال التعسفي”!

وقد ادعت الهيئة المذكورة أن فؤاد عبد المومني تم تَوقيفه “بالشارع العام”، من طرف “قوة أمنية”، وتم “اقتياده قسرا لمدينة الدار البيضاء من مدينة تمارة”، لتَخلُص في نهاية التَخمين بأن هذه المعطيات كافية لتُسدِل على عملية توقيفه وصف “الاعتقال التعسفي”.

ومن المسلَّمات القانونية، والبَداهة المنطقية، أن المشرع المغربي لم يُميز في توقيف الأشخاص بين الشارع العام والأماكن العمومية، شَريطة احترام شكليات الضبط والتوقيف. كما أن المفروض أن عَمليات الشرطة تُباشرها “قوة أمنية”، وليس قوات بَديلة أو شركات للمُناوَلة.

فالادعاء بأن “قوة أمنية” هي التي باشرت عملية التَوقيف هو دليل إثبات على قانونية ومَشروعية التَوقيف وليس حُجة على التعسُّف والشَطَط، بل إن هيئة التضامن تقر، من حيث لا تَحتسِب، بأن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية سَخَّرت أمنيين للقيام بتنفيذ تعليمات النيابة العامة القاضية بالإحضار وبالبحث.

أما الدَفع الذي ساقته هيئة التضامن في تَحليلها غير القانوني لواقعة التوقيف بمدينة تمارة والنقل نحو مدينة الدار البيضاء، فهو دَفع نابع من الجَهل التام بأحكام المادة 22-1 من قانون المسطرة الجنائية، وبمقتضيات القَرار المشترك بين وزيري العدل والداخلية بشأن إحداث الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والفرق الجهوية للشرطة القضائية.

فالقانون يَمنح للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي عُهد لها بالبحث في قضية فؤاد عبد المومني، صلاحية البحث ومباشرة إجراءات الضبط والتوقيف والحجز في مَجموع التراب الوطني، وهو ما يَجعل تَدخُلها بمدينة تمارة مَشمولا بالشَرعية باعتبار أن مدينة تمارة هي حاضرة مَغربية تدخل في نِطاق الاختصاص الترابي للفرقة الوطنية للشرطة القضائية.

أما بخصوص مَزاعِم “النقل القسري لفؤاد عبد المومني لمدينة الدار البيضاء”، فهي مزاعم مَردُود عليها وتُناقِض نفسها وتُقوِّضها من أساسِها، وذلك على اعتبار أن مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يوجد أساسا بمدينة الدار البيضاء، وأنه من المنطقي والقانوني أن يتم نقل المشتبه فيه لمقر الفرقة بهذه المدينة، وليس إلى مدينة غيرها.

فنقل المشتبه فيه لمقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمدينة الدار البيضاء هو دَليل على مَشروعية التوقيف، لأنه تم تنفيذه في إطار مَرفق أمني يَخضَع للمراقبة القضائية، وهو ما أكده فؤاد عبد المومني نفسه عندما أثنى على هذا المقر، وعلى نظافته، وعلى التزام العاملين به بتطبيق القانون واحترام حقوق الإنسان.

قَواعد الاختصاص المحلي

زَعَمت هيئة التضامن مع فؤاد عبد المومني أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لم تَحتَرم قواعد الاختصاص المحلي، التي تَمنَح الاختصاص الترابي للنيابة العامة التي وَقعت في دائرة نفوذها الجريمة، أو مَكان إقامة المشتبه فيه أو مكان توقيفه.

والمثير أن الجريمة تَطوَّرت كثيرا لكن ما يُسمى “بالهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين” لم تَتَطوَّر، بل ظلَّت جامدة في مكانها إن لم تكن قد تَرنَّحت نحو الخَلف بشكل كبير.

فالأفعال الإجرامية المنسوبة لفؤاد عبد المومني ارتكبت بواسطة الأنظمة المعلوماتية، في بيئة رَقمية ليس لها حَيِز جغرافي مُحدَّد، وبالتالي فإن الادعاء بعدم احترام قاعدة الاختصاص المرتبطة بمكان ارتكاب الجريمة، هو ادعاء مَغلُوط ومُجانِب للحقيقة والمنطِق.

علاوة على ذلك فإن الجرائم المعلوماتية تتميَز بأنها تَمتَد من حيث مكان وزمان ارتكابها، بفعل عملية النشر عبر الفضاء المعلوماتي، والذي يَجعل آثار الجريمة تتسِع لتشمَل أكثر من مكان، ممّا جَعل الفقه والقضاء يُجمعان على أن مكان مُحاكمة مُرتكِب هذا النوع من الجرائم يَشمَل كل مكان وقع فيه النشر.

وهكذا، فالجريمة المرتكبة في بيئة رقمية أو التي تَستخدِم الأنظمة المعلوماتية يَنعقِد فيها الاختصاص للنيابة العامة التي تَوَصلت بتبليغ عنها، أو تَلَقَّت إشعارا بشأنها من الضحايا، أو تَوصلت بتقرير إخباري من الضابطة القضائية التي رَصَدتها أو عاينتها على شبكة الأنترنت.

وفي حالة فؤاد عبد المومني، فإن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية هي التي رَصدت المحتويات الإجرامية الصادرة عن المشتبه فيه، وقامت بإشعار النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء، والتي أصدَرت تعليماتها بالبحث مع مرتكب تلك الأفعال في إطار القانون.

الحجز وتَقيِيد الحرية.. إجراءات مَشمولَة بالشرعية.

من المغالطات التي ساقتها هيئة التضامن المزعومة مع فؤاد عبد المومني، والتي تَضُّج بالجهل القانوني، أنه تم “حجز هاتف هذا الأخير وانتهاك سرية مراسلاته بدون وجود أي مقرر قضائي”، وأن “تقديمه في حالة اعتقال يمس بمبدأ قرينة البراءة”.

وممّا يَقتضي التوضيح في هذا السياق، أن توقيف فؤاد عبد المومني كان تنفيذا لتعليمات كتابية صادرة عن النيابة العامة، تقضي بإحضار المعني بالأمر والبحث معه، وهو ما يَجعَل تَدخل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية مُنسجِما مع القانون ومتوافقا مع أحكام الفقرة الثانية من المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية، التي تنُص على ما يلي “يباشر (وكيل الملك) بنفسه أو يأمر بمباشرة الإجراءات الضرورية للبحث عن مرتكبي المخالفات للقانون الجناني ويصدر الأمر بضبطهم وتقديمهم ومتابعتهم”.

أما بخصوص إجراء حَجز الهاتف المحمول الخاص بفؤاد عبد المومني على ذمة البحث، فقد أمرت به النيابة العامة لضرورة الخِبرة التقنية، نظرا لارتباط جِسم الجريمة بالدَعامة الإلكترونية المتمثِلة في الهاتف المحمول، وأن هذا الحجز المؤقت وافق عليه فؤاد عبد المومني بعدما عَلم بوجود تعليمات مباشرة من النيابة العامة.

وفي ظل هذه المعطيات، يَستحيل الحديث عن اختراق سِرية المراسلات الخاصة بفؤاد عبد المومني، نَظرا لكون الأمر يَتعلَّق بخبرة تقنية على جسم الجريمة، أمرت بها النيابة العامة للبحث عن أدلة مادية قد تَدعَم الجرائم المرتكبة أو تنفيها.

أما بخصوص الادعاء القائِل بأن الوضع تحت الحراسة النظرية والتقديم في حالة اعتقال هو بمثابَة تعدِّي على قرينة البراءة، فهو ادعاء خاطئ وفيه تمثُلات غير صحيحة للتدابير الاحترازيَّة التي أوجَدها المشرع في مرحلة ما قبل المحاكمة.

فالوضع تحت الحراسة النظرية هو إجراء من إجراءات البحث، يقتضي تقيِيد حرية المشتبه فيه لمدة مؤقتة إلى غاية انتهاء البحث معه، وهو يَرُوم أساسا الحِفاظ على الأدلة مَخافة اندثارها، وإبقاء الشخص تحت النظر لئلا يَلوذ بالفرار.

ومن هذا المنظور، فإن إجراء الحراسة النظرية لا يُعتبر مَساسا بقرينة البراءة، بأنه لا يُعطي وَصف المجرم ولا وَصف المتهَم، ولا وَصف الظَنِين للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، الذي يَبقى مُجرَّد مشتبه فيه إلى غاية عَرضِه على المحكمة.

وإجمالا، ففي الوقت الذي تَنحو فيه المنظمات الحقوقية لإرساء الشفافية والتَواصُل في عمل أجهزة العدالة الجنائية، نَجِد في المقابل أن هيئة التضامُن المزعومة مع فؤاد عبد المومني تَرْنُو إلى الصَمت ولإخراس النيابة العامة ومَنع الحق في الوُصول إلى المعلومة.

فالمفروض في هيئات التضامن أن تُطالِب بتَوطيد التواصل، وكَشف الحقائق، في حين أن ما يُسمَّى “بالجمعية المغربية لمساندة المعتقلين”، تَدعو إلى حَجب الحقيقة مَخافَة انكِشاف ما يَرتَكِبه أعضاؤها من جَرائم مُخالفَة للقانون.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
Dghoghi
المعلق(ة)
5 نوفمبر 2024 01:57

قلت سابقا وساكرر.. ما قلته.. ايها النظام المغربي … القوة ان يحبك الشعب وليست القوة ان تقمع الشعب…..

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x