لماذا وإلى أين ؟

أخنوش يعيد لأكادير هويتها الأمازيغية بعد طمس البيجيدي لها

ما شهدته مدينة أكادير منذ يوم الجمعة الماضي إلى غاية يوم أمس الأربعاء من احتفالات بمناسبة رأس السنة الأمازيغية أو ما يصطلح عليه بالأمازيغية “إيض يناير”، يجعل المتتبع لطبيعة الإحتفالات ونوعية الحضور يطرح أسئلة مركزية؛ لعل أبرزها “هل عادت أكادير إلى هويتها الحقيقية؟”.

طبعا؛ لن يختلف أحد على أن هوية أكادير والمغرب عموما هي “الهوية الأمازيغية” التي ترتكز على مجموعة من المقومات الإجتماعية والثقافية والسياسية، وما تشهده الأمازيغية على مستوى “المركز” ينطبق على الجهات والأقاليم، يعني انه إذا همشت الأمازيغية على مستوى الحكومة فإنها تهمش على مستوى الجهات والجماعات، والعكس صحيح كذلك. لكن هناك بعض المجالس المتعاقبة على أكادير اجتهدت في تهميش الأمازيغية أكثر من الحكومة.

إذا ألقينا نظرة خاطفة على تاريخ الأحزاب السياسية التي دبرت جماعة أكادير نجد أن هذه المدينة كانت “قلعة اتحادية” قبل أن يُسقط “الربيع العربي” حزب “الوردة” لصالح “البيجيدي” ذو المرجعية الإسلامية، وإن كان البعض يجد ذرائع لحزب “الوردة” بأكادير بخصوص علاقته بالأمازيغية؛ خاصة أن السياق السياسي الذي عرفه المغرب في الثمانينيات والتسعينيات لا يسمح حتى بالجهر بمصطلح الأمازيغية، قبل أن تدخل المملكة العهد الجديد مع الملك الشاب محمد السادس الذي تبنى سياسة الإنفتاح.

سياسة الإنفتاح التي نهجها الملك، لم تواكبه فيها الحكومات المتعاقبة للأسف؛ فما بالك بالجماعات والجهات، لذلك يجد البعض أعذارا وذرائع لحزب “الوردة” لعدم تقديم شيء للأمازيغية ولهوية مدينة أكادير التي دخلت في سياسة التعريب التي نهجتها الدولة منذ الإستقلال، لكن هل هناك ذرائع وأعذار للأحزاب التي تولت المسؤولية بعد دستور 2011 والإعتراف بالأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية؟

في الوقت الذي استبشرت فيه الحركة الأمازيغية خيرا بدسترة الأمازيغية واعتبروا أن هذه الأخيرة “غادي تاخذ حقها” محليا ووطنيا، كان لحزب العدالة والتنمية رأي آخر حين “عطل” القانون التنظيمي للأمازيغية وبقي الحال كما هو عليه لعشر سنوات، وحتى إدارج الأمازيغية في التعليم أكدت نتائج الإحصاء أن الحكومة فشلت في هذا الورش.

وإن كان الجمود يطبع عمل حكومتي “البيجيدي” في ملف الأمازيغية، فإن الإجتهاد والحماسة في اتجاه “الإنسلاخ من الهوية” هو ما طبع التدبير المحلي من قبل حزب بن كيران بأكادير، الذي اجتهد أعضاؤه لتغيير الأسماء الأمازيغية المحلية للأماكن والمؤسسات والشوارع إلى أسماء مشرقية.

الكثير من القراء سيتذكر “الحراك” الذي غطته صحيفة “آشكاين”، والمعتلق بسلسلة الإحتجاجات التي قادتها جمعيات مدنية بأكادير ضد ما سمي حينها بـ”فلسطنة” أكادير، حينما حاول المجلس الجماعي الذي كان يقوده صالح المالوكي عن “البيجيدي” إلغاء الأسماء المحلية وتجاهل التيمة الأمازيغية للمدينة وأطلق أسماء مشرقية على شوارع وأزقة المدينة، من قبيل خان يونس، يافا، طولكرم، طبرية، باب الأسباط ..، وهي أسماء إن كانت تحيل إلى فلسطين والقضية الفلسطينية التي يتعاطف معها شريحة واسعة من المغاربة، لا علاقة لها بـ”أيت أكادير” وثقافتهم ولغتهم.

وفي الوقت الذي انتشرت فيه الأنشطة الداعمة لفلسطين بدعم من المكتب المسير بأكادير الذي كان يقوده حزب العدالة والتنمية، همشت فيه الأنشطة الأمازيغية التي اقتصرت حينها على “الفلكلرة” دون أي عمق للثقافة والهوية الأمازيغية. أما احتفالات “إيض يناير” فكانت تقتصر على أنشطة بسيطة داخل بيوت المواطنين شأنها شأن “كسكسو نهار الجمعة” ولا ترى لها أثر في الحياة العامة.

عندما قرر أخنوش الترشح شخصيا لقيادة جماعة أكادير، رفع شعار “جعل مدينة أكادير عاصمة للثقافة الأمازيغية”، وعند ترأسه المجلس الجماعي بأغلبية ساحقة اتخذ قرارات تنصب في جعل الأمازيغية في المكانة التي تستحقها بداية بتأسيس لجنة استشارية خاصة بالأمازيغية تتكون من مختصين في المجال وتكوين رؤساء المصالح بالجماعة في الأمازيغية.

كما أن المكتب المسير الذي يقوده عزيز أخنوش، حاول جعل كل اللواحات واليافطات التي توضع وسط المدينة وعلى واجهات المؤسسات العمومية بأسماء أمازيغية، بل أطلق مؤخرا “استشارة مواطنة” لجمع اقتراحات المواطنين حول الأسماء التي يحبدون إطلاقها على بعض المرافق والمؤسسات العمومية الجديدة، في إطار إشراك الأكاديريين في اتخاذ القرار، وأبرز الأسماء التي تم التوصل إليها أمازيغية.

إن كان حزب “الحمامة” قد فشل في تنزيل مجموعة من الأمور بأكادير وأخطاء في عدد من القرارات وتهاون في بعض المجالات، فإن ملف الأمازيغية يمشي فيه بثبات على مستوى مدينة أكادير، والتي قد تكون نموذجية في المغرب بخصوص تنزيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مناحي الحياة العامة، كيف لا؟ وقد سارع منذ انتخابه في الإحتفال برأس السنة الأمازيغية.

وإن كانت الإحتفالات تتم بشكل محتشم قبل القرار الملكي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية؛ إلا أن أخنوش يحسب له شروع جماعة أكادير في الإحتفال بالمناسبة والقطيعة مع سياسة التجاهل، قبل أن تنخرط بشكل مباشر وجدي في الإحتفال بهذه المناسبة بأساليب إبداعية متميزة كما هو الشأن هذه السنة.

احتفالات “إيض يناير” هذه السنة بأكادير كانت استثنائية و”تاريخية” لأن المدينة لم تشهد قط احتفالات رأس السنة الأمازيغية بهذا الزخم، حتى أن ساكنة أكادير انخرطت بشكل إيجابي في هذه الإحتفالات حيث حجت إلى مختلف الفضاءات التي تعرف أنشطة إما فنية أو علمية، بأزياء أمازيغية مختلفة، ما جعل من أكادير فضاء للفن شأنها شأن ساحة جامع الفنا بمراكش، في كل منطقة تجد احتفالا مميزا ومختلفا بهذه المناسبة الوطنية.

إن كانت جماعة أكادير تتجه نحو النجاح في إرساء احتفال يليق بمناسبة “إيض يناير” بأكادير، فيحسب لها كذلك الإهتمام بالموروث الثقافي المتعلق بـ”بيلماون” الذي تسعى أن تجعل منه حدثا دوليا، شأنه شأن المهرجانات الثقافية الدولية.

كما أن مشروع جعل أكادير العاصمة العالمية لأمازيغ العالم من جزر الكناري إلى مصر ومن حوض الأبيض المتوسط إلى الساحل، يراود جماعة أكادير، لذلك وجب العمل مع وزارة الثقافة لإقناع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” بهذا المسعى. وعليه؛ هل يمكن القول إن أخنوش نجح في إعادة أكادير إلى هويتها الأمازيغية؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

3 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
خالد
المعلق(ة)
17 يناير 2025 13:24

ليست الأمازيغية رباب و رقص و إنما كرامة و تنمية و خدمات في المستوى . و هذا لكل المغاربة . نرجوكم لا تخلقوا طائفية في المغرب . أنتم تزرعون بذرة خبيثة وضعها الإستعمار في أيديكم . أشكاين حافظي على مصداقينك والتعديل عن هذه المواضيع الطائفية .

أستاذ
المعلق(ة)
17 يناير 2025 08:27

حملة انتخابية مجانية سابقة لأوانها ، يقوم بها كاتب المقال ، فقد صدق من قال :” ليس في أبناء القنفذ أملس ” .
بنكيران وأخنوش وجهان لعملة واحدة ، ففي عهدهما غرق المغرب في المديونية الخارجية ، و استشرى الفساد ، و ازدادت أعداد العاطلين والجوعى ، والتهبت الأسعار و…..و… ..
لا تدغدغ مشاعر الأمازيغ ، فكل المغاربة إخوة في الدين والوطن والمصير ……

مريمرين
المعلق(ة)
17 يناير 2025 04:16

أخنوش و العهد الجديد لمستشفى الحسن الثاني ، أخنوش و العهد الجديد لمؤسسات حماية الطفولة و دور العجزة، ناهيك عن أخنوش و العهد الجديد للارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الغذائية و أخنوش و العهد الجديد لارتفاع البطالة … نرى فقط العهد الجديد للباطرونا و أصحاب الشركات الكبرى و الثروات الضخمة…

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x