2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

طلوع عبدالإله*
لم يعد مشهد الاعتداء على رجال ونساء التعليم في شوارع المغرب ومدارسه مشهدًا صادمًا كما كان في السابق. لقد أصبح، مع الأسف، خبرًا عاديًا في نشرات الأخبار ومنشورات مواقع التواصل، يُستهلك كما تُستهلك النشرات الجوية، بلا انفعال حقيقي، بلا وعي بخطورته الرمزية والمجتمعية. هذا التكرار القاتل للحدث يشي بأننا دخلنا مرحلة التعايش السلبي مع العنف، حيث لا يُدان الفعل لذاته، بل فقط لتوقيت وقوعه أو فداحته أمام الكاميرا.
لكن، لنكن صرحاء: هل يكفي أن نستنكر؟ هل نواصل الاكتفاء بالبيانات الرسمية ونقابات التعليم التي تصرخ وتنسحب وتعود، دون أن نلامس لبّ المعضلة؟ إن الظاهرة تتطلب قراءة نقدية تتجاوز الشعارات الجاهزة، وتطرح الأسئلة المؤرقة: كيف انتقل المعلم من كونه رمزًا معرفيًا وتربويًا، إلى هدف سهل للعدوان؟ ما الذي تغيّر في علاقتنا بالمدرسة حتى أصبح حامل القلم مهددًا بالعصا أو الطعنة؟
إن هذا التدهور لا يمكن فصله عن التحولات العميقة التي شهدها المجتمع المغربي في العقود الأخيرة، تحولات أصابت القيم والبنى والعلاقات. المعلم لم يتغير وحده، بل تغير كل شيء من حوله. والطالب لم يصبح عدوانيًا فجأة، بل انخرط، كغيره، في لعبة مجتمع فقد بوصلته التربوية.
أولًا، من الناحية السوسيولوجية، نحن أمام جيل يعيش تمزقًا وجوديًا. شباب يشعر بالتيه وسط انسداد الأفق، وهشاشة المستقبل، وعبثية النظام التعليمي. يجد نفسه في فصل دراسي لا يلبي حاجاته، ولا يعترف بقلقه، ولا يمنحه أدوات التحرر أو الفهم. وحين يعجز عن فهم ذاته أو المجتمع، يتجه إلى تفريغ توتره في أقرب سلطة رمزية إليه: المعلم. ليس لأنه ظالم، بل لأنه متاح، ولأنه الوحيد الذي لا يستطيع الرد بنفس العنف.
ثانيًا، على المستوى التربوي، المدرسة المغربية تعاني من عطب هيكلي. البرامج التعليمية ما زالت حبيسة التلقين وتكريس الهرمية. التعليم ما زال يركز على الامتحان أكثر من التكوين، وعلى المعلومات أكثر من المعنى. غاب الحوار داخل الفصل، وحضر الانفصال النفسي بين المعلّم والمتعلّم. الطالب لا يرى نفسه في مناهج تعود لعقود مضت، ولا في خطابات تربوية لا تلامس معاناته اليومية. هذا الانفصام يولّد سخرية، احتقارًا، وأحيانًا عنفًا.
ثالثًا، على المستوى الرمزي والثقافي، تآكلت صورة المعلم بسبب غياب المشروع المجتمعي الواضح حول التربية. الدولة لم تعد تعتبر المدرسة أداة لبناء الإنسان، بل أصبحت تراها رقمًا في خطط اقتصادية، أو عبئًا في موازنات مالية. الإعلام بدوره ساهم في إفراغ صورة المربي من ألقها، ليس عبر الإساءة المباشرة، بل عبر تغييب النماذج الإيجابية وتعزيز ثقافة استهلاكية تُمجّد الشهرة والسطحية على حساب الكفاءة والعلم.
لكن، بدلًا من الغرق في جلد الذات، يمكن أن نطرح بجرأة: كيف نعيد للمعلم مكانته؟ كيف نحميه دون أن نحاصره في برج عاجي؟ كيف نعيد الاعتبار للمدرسة كفضاء للتكوين وليس فقط كمؤسسة للعقاب أو العبور نحو الشهادة؟
الحل لا يكمن في المسكنات الأمنية أو القانونية فقط، رغم ضرورتها. فالعنف لا يُحل بالحراس والكاميرات وحدها، بل بإعادة بناء ثقة مجتمعية كاملة في الوظيفة التربوية. هذا يعني استثمارًا في التكوين المستمر للمعلمين، دعمًا نفسيًا لهم، إدماجًا فعليًا للبعد القيمي في المناهج، وتمكين الطالب من أدوات التفكير النقدي والاندماج الاجتماعي.
نحن بحاجة إلى مدرسة تُعلّم التلاميذ أن يعبروا عن غضبهم بالكلمات لا باللكمات، أن يُفرغوا توترهم عبر الفن والنقاش لا عبر العنف. نحتاج إلى بيئة مدرسية تحتضن المراهق وتفهم هشاشته، بدل أن تدينه حين ينهار.
والأهم من كل ذلك: نحتاج إلى خطاب جديد، يُقنع المجتمع بأن المعلم ليس موظفًا يُنجز ساعات مقابل أجر، بل هو حامل مشروع، ومُكوّن وعي، وباني أجيال. فكما لا يمكن أن نحارب الجريمة دون شرطة محترمة، لا يمكن أن نحارب الجهل دون معلم مُهاب.
العنف ضد المعلم ليس خللًا في سلوك فردي، بل هو جرس إنذار لنظام بأكمله. إنه لحظة انكشاف، علينا أن نقرأها لا أن نتغاضى عنها. ولكي نصلح ما انكسر، لا بد من شجاعة ثقافية، وإرادة سياسية، ورؤية مجتمعية تؤمن بأن المدرسة ليست رفاهًا، بل ضرورة وجودية لبقاء الدولة نفسها.
*باحث في القانون العام والعلوم السياسية
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.
وهل تمت التربية من طرف الأسرة حتى يجد الاستاذ تربة مناسبة ايفون بدوره؟!!!!
انا مواطن مغربي عايشت خلال عقود التدمير الممنهج لقيمنا التي تربينا عليها و لنكن صارحين المساجد فقدت توجهها بخطب مفرغة رتيبة…الأسرة تحطمت لأسباب اقتصادية و أخلاقية في ظل توجه متعمد على افراغها من جوهرها من خلال تغييرات مست كل ما كان مقدسا مع تشجيع تيار سمى نفسه تقدمي في بث خطاباته و نعت كل من تشبث بقيمه او خالف منطقه بالرجعي!!
قنوات سماها اغلبية المغاربة بالصرف الصحي تنفث السم و تسوق التفاهة حيث ان مثلا في اسبانيا و هي اقرب جيراننا و الاحق بالمقارنة يتم تغيير مدير قنواتها العمومية مع تغير الحزب الحاكم اما نحن فصاحبنا رغم كثرة الانتقادات فهو ممن عموا رغم فشلهم في خلق القيمة المضافة!!
سياسات الحكومات المتتالية في تخريب التعليم العمومي كما تعمد شد الحبل بين الوزارة الوصية و رجال التعليم أدى إلى ما نحن عليه اليوم!!
نحن نتحمل طبعا المسؤولية الأكبر فلا يكفي ان نرسل أبناءنا الى المدارس دون واجب تربيتهم اخلاقيا و حقنهم بالقيم و المتابعة و عدم التطبيع مع الكل يفعل ذلك لان ذاك هو داء المجتمع!!