لماذا وإلى أين ؟

هزالة مشاركة العمال في فاتح ماي.. هل يضعف موقف النقابات في معركة الملفات الشائكة مع الحكومة؟

لطالما كان عيد العمال، الذي يصادف فاتح ماي من كل سنة، مناسبة كي تستعرض النقابات عضلاتها، وبعث رسائل لمن يهمهم الأمر. وكانت قوة التعبئة والقدرة على حشد العمال في الشوارع، تشكل سلاحا بيد المركزيات النقابية في مواجهتها مع الحكومات المتعاقبة.

غير أن المشهد، أمس الخميس، يُبرهن على تراجع ملحوظ في قدرة هذه المنظمات على استقطاب أعداد كبيرة من الشغيلة للمشاركة في الإضرابات والاحتجاجات.

هذا الفتور اللافت يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل العمل النقابي وتأثيره على موازين القوى في المفاوضات الحاسمة مع الحكومة، خاصة فيما يتعلق بملفات عالقة وشائكة كقانون الإضراب، وتنزيل اتفاقي أبريل (2022 و2024)، وإصلاح نظام التقاعد، وتعديل مدونات الشغل، والرفع من الأجور.

في السنوات الأخيرة، بات من الواضح أن الدعوات للإضراب العام أو المسيرات الاحتجاجية التي تطلقها المركزيات النقابية الكبرى لا تجد الصدى الواسع الذي كانت تحظى به في السابق لدى عموم الطبقة العاملة . فبدلا من الحشود الغفيرة التي تملأ الساحات، ظهر، وخير مثال احتفالات ماي للسنة الجارية، فتور في نسب الانخراط وبل وهزالة أعداد المشاركين، ما يثير علامات استفهام حول مدى تمثيلية هذه التنظيمات النقابية وتأثيرها الفعلي على أرض الواقع.

يرى مراقبون أن هزالة نسبة المشاركة في فاتح ماي يمثل تحديًا حقيقيًا للعمل النقابي في المغرب. ويتطلب من المركزيات النقابية مراجعة استراتيجياتها التواصلية والتنظيمية لإعادة كسب ثقة العمال وتحفيزهم على الانخراط في العمل النقابي، وإلا ستصير لقمة صائغة أمام الحكومة وأمام ”الباطرونا” في تمرير قوانين، قد تضر بالطبقة العاملة، فيما تراها عيون الحكومة ”إصلاحات”.

في السياق نفسه، أكد الباحث السياسي محمد شقير أن القدرة التفاوضية للمركزيات النقابية ستتأثر بشكل كبير في جولات الحوار المقبلة مع الحكومة، خاصة فيما يتعلق بملفات إصلاح صناديق التقاعد والزيادة في الأجور.

وأرجع الدكتور شقير هذا التأثير السلبي إلى عدة عوامل، أبرزها غياب التنسيق وتوحيد المطالب بين النقابات، في مقابل تنسيق الحكومة والباطرونا.

وأوضح شقير، في تصريح لجريدة ”آشكاين”، أن الحكومة والباطرونا ستستغلان “بلا شك” هذا التشرذم النقابي لتحقيق ما تريانه من جلسات الحوار. في المقابل، يرى الباحث أنه كان بإمكان المركزيات النقابية، لو اتحدت في أرضية مطالب واضحة وعينت مفاوضين موحدين، أن تمارس ضغطًا أكبر على الحكومة، خاصة مع اقتراب نهاية ولايتها، لتحقيق مكاسب أكبر للعمال.

لكن شقير استبعد تحقيق هذا التوحد النقابي، مشيرًا إلى أن “استفراد رئيس الحكومة بكل مركزية دون حضور باقي المركزيات عادة ما يمنحه هامش المناورة واللعب على الخلافات واستخدام حتى بعض الإغراءات لصالح قيادة هذه النقابة دون الأخرى”.

كما طرح المحلل السياسي عينه تساؤلات حول مدى قدرة القيادات النقابية “الشائخة” على التجاوب والتفاعل مع رئيس حكومة وباطرونا “جديد ومتمرس” قد يوظف آليات تفاوض جديدة، في الوقت الذي قد تتمسك فيه القيادات الحالية بآليات تفاوض تقليدية.

وفي سياق متصل، علق شقير على تصريحات عبد الإله بنكيران حول “خفوت وهج” المشاركة في احتفالات عيد الشغل، مرجعًا ذلك أساسًا إلى “تشرذم المشهد النقابي إلى أكثر من عشرين نقابة تقوم كل واحدة منها بالاحتفال لوحدها مما يظهر قصرها وضعف تواجدها”.

وتساءل شقير عن إمكانية تفكير هذه النقابات في توحيد مطالب الطبقة الشغالة وتنظيم احتفالات موحدة أو مشتركة بين مجموعات منها، مؤكدًا أن ذلك سيمنح زخمًا أكبر وتأثيرًا أشمل. لكنه استدرك بأن “صراع القيادات والانتماء في مصالحها الشخصية والفئوية جعل كل نقابة تصر على الاحتفال لوحدها في إطار تبعية لهذا الحزب أو ذاك”.

وانتقد المتحدث استغلال بنكيران لاحتفال نقابته كـ “منصة سياسية لمواجهة خصومه السياسيين”، بما في ذلك رئيس الحكومة وزعماء نقابات أخرى ذكرهم بالاسم، معتبرًا أن ذلك زاد من “هذا الخفوت النقابي”.

وخلص الباحث السياسي إلى أن تشرذم الحركة النقابية وشيخوخة قياداتها يشكلان عائقًا أمام قدرتها على التفاوض بفعالية مع الحكومة في الملفات الاجتماعية والاقتصادية الحيوية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Nisar
المعلق(ة)
8 مايو 2025 10:57

لا جدوى من الدعم المالي الذي تقدمه الدولةللكتاب الوطنيون والذي يدخل في جيوبهم دون أن ترى الدولة ولا المنخرطين أثره على الطبقة العاملة.
وهذا العزوف عن الانخراط في النفايات النقابية يشكل هزيمة لتجار النفايات وضربة قاسية والشوهة في المنتظم الدولي في مجال حقوق الإنسان

احمد
المعلق(ة)
3 مايو 2025 13:27

انسداد الافق في معالجة المطالب المشروعة للعمال وتشديد الخناق على قانون الاضراب ادى الى تدهور الطرق المشروعة للاحتجاج وفتح المجال للتنسيقيات وغوغائية الشارع.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x