2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
الغلوسي: تمرير وهبي قانون يقيّد التبليغ عن الفساد تطاوُل على صلاحيات النيابة العامة

صادقت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، في ساعة متأخرة من ليلة أمس الثلاثاء، بالأغلبية على مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23، وذلك بحضور وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
وقد شهد الاجتماع نقاشاً مطولاً استغرق نحو 11 ساعة لمناقشة 1384 تعديلاً مقترحاً من مختلف الفرق والمجموعات النيابية، بالإضافة إلى تعديلات تقدمت بها نائبات غير منتسبات. وفي نهاية المطاف، حظي مشروع القانون بموافقة 18 نائباً، مقابل معارضة 7، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت.
ورغم أن المناقشات شهدت اقتراح تعديلات تهدف إلى توسيع صلاحيات جمعيات المجتمع المدني في التبليغ عن جرائم الفساد، خاصة تلك المتعلقة بالمال العام، إلا أن وزير العدل تمكن، بدعم من الأغلبية البرلمانية، من تمرير المادتين 3 و7 اللتين تثيران قلقاً واسعاً لدى المعارضة وفعاليات المجتمع المدني.
وتنص المادة الثالثة من مشروع القانون على حصر حق إقامة الدعوى العمومية وممارستها في النيابة العامة، كما تقيد إمكانية إجراء الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية في جرائم المال العام بإحالة من جهات محددة حصراً، كالمجلس الأعلى للحسابات والمفتشيات العامة والهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة.
أما المادة السابعة، فقد نصت على إمكانية انتصاب الجمعيات ذات المنفعة العامة طرفاً مدنياً شريطة الحصول على “إذن بالتقاضي” من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، وفق ضوابط سيتم تحديدها لاحقاً بنص تنظيمي.
وقد انتقد نواب المعارضة بشدة تمرير هاتين المادتين، معتبرين أنهما تمثلان “تكبيلاً” لدور المجتمع المدني في مكافحة الفساد وتقييداً لحقه في التبليغ عن هذه الجرائم، خاصة تلك المتعلقة بالمال العام. ودعوا إلى حذف شرط “الإذن بالتقاضي”، مؤكدين أنه يتعارض مع التطور الحقوقي والقانوني للمملكة ويفرغ دور الجمعيات من محتواه.
من جانبه، دافع الوزير وهبي عن رفضه لتعديلات المعارضة المتعلقة بالمادة السابعة، معتبرا أن جمعيات تستغل آلية التبليغ لـ”ابتزاز” المسؤولين، ومشدداً على أن “المال العام ليس سائباً”.

في السياق ذاته قال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إن المادة 3 و 7 من قانون المسطرة الجنائية تتناقضان مع الدستور ويمس باستقلال السلطة القضائية ويقيد، ليس فقط الجمعيات، بل المجتمع برمته، في التبليغ عن جرائم المال العام.
وأوضح ذات الحقوقي، في تصريح خص به جريدة ”آشكاين”، أن ما وصفه بـ ”حكومة زواج السلطة بالمال”، ترى بأن من ”شأن الذهاب في هذا الموضوع بعيدا أن يهدد مصالح بعض الجهات المستفيدة من واقع الفساد والريع والإثراء غير المشروع”، لذلك ”رأينا كيف أن الحكومة قاومت تجريم الإثراء غير المشروع، وكيف قاومت أيضا قانون احتلال الملك العمومي وتصدت للهيئة الوطنية النزاهة والوقاية من الرشوة وكيف جمدت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وأن رئيسها لم يدعو ولو حتى لاجتماع…”.
وشدد المحامي بهيئة مراكش على أن”كل المؤشرات تدل على أنه ليست هناك إرادة”، لافتا إلى أن المادة الثالثة قانون المسطرة الجنائية ”تقيد الجمعيات وتمنعها من التبليغ عن جرائم المال العام”، بل الأكثر من ذلك، يضيف الغلوسي، أنها ”تتطاول على صلاحيات النيابة العامة، حيث أصبح اليوم اختصاص حصري للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، باعتباره رئيس النيابة العامة، وصار له الصلاحية والإمكانية القانونية لتحريك الأبحاث القضائية في جرائم المال العام”، مع اسثناء وحيد، يسترسل الغلوسي، إذا تعلق الأمر بالتلبس، كاشفا أن التلبس في جرائم المال العام لا يمكن تصوره، بل مستحيلا.
وعن الخطوات التي تعتزم الجمعية المغربية لحماية المال العام القيام بها، قبل أن يصبح المشروع واقعا بعد استنفاده جميع مراحل المسطرة التشريعية، أوضح الغلوسي أن المسألة لا ترتبط فقط بالجمعية التي يرأسها، بل قضية مجتمع وقضية دولة، حيث صار الفساد يشكل ”تهديدا حقيقيا ويشكل خطرا على كل البرامج والسياسات العمومية التنموية”.
وأوضح أن الجمعية لا يمكن أن تتعبأ لوحدها لمواجهة ظاهرة الفساد ”مهما كانت قوتها”، داعيا الفاعل السياسي والأحزاب أن تتحمل المسؤولية في هذه المسألة، وعلى البرلمان باعتباره مؤسسة تشريعية، وفق الغلوسي، ألا ينساق مع توجه يريد ”التطبيع مع الفساد”
واستطرد أن الجمعية المغربية لحماية المال العام، بصدد بلورة تنسيق مع بعض الإطارات الحقوقية والمدنية، من أجل الجواب على هذه الوضعية، موضحا أن الحكومة ”استغلت مناخ عام”، يتسم بـ ”تراجع النضال الديمقراطي والقوى الحية داخل المجتمع”، لتمرر مجموعة من القوانين، منها قانون الإضراب، واليوم تتجه إلى تمرير قانون للتضييق على المجتمع في التبليغ على جرائم المال العام.
بل أكثر من ذلك، يضيف الغلوسي، ”تغول الفساد وامتد إلى النيابة العامة”، متسائلا: ”كيف يعقل أن النيابة العامة تحرك الأبحاث والمتابعات القضائية ولو تلقائيا وبناء على وشاية، كيف أنه اليوم هناك امتياز قانوني وقضائي يضاف إلى الامتياز المنصوص عليه في الفصل 265 من قانون المسطرة الجنائية المتعلق بمحاكمة الموظفين الساميين، والآن نسمع امتيازا آخر بتوفير الحصانة لمنتخبي الجماعات الترابية”.
يُذكر أن وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، كان قد أبدى في وقت سابق نيته تقييد قدرة جمعيات حماية المال العام على رفع شكاوى قضائية ضد المنتخبين والمسؤولين بشأن قضايا اختلاس المال العام، وهو ما يبدو أنه “نجح” في تحقيقه مع اقتراب نهاية الولاية الحكومية الحالية، الأمر الذي يثير مخاوف واسعة لدى فعاليات المجتمع المدني المهتمة بمكافحة الفساد.
مساعده
تحالف الاغلبية ضد التبليغ عن جرائم الفساد من طرف المجتمع المدني، وصمة عار ستبقى عالقة على جبين هذه الحكومة واغلبيتها الغير المسبوقة.