2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
الوكالات الجهوية للتعمير والإسكان: مقاربة قانونية لإصلاح المنظومة العمرانية في المغرب

اعداد: أشرف أولاد الفقيه
الملخص
يأتي مشروع القانون رقم 64.23 المتعلق بإحداث الوكالات الجهوية للتعمير والإسكان في إطار الإصلاحات الهيكلية التي يشهدها المغرب في تدبير المجال الترابي، تماشياً مع التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز اللامركزية وترشيد الحكامة العمومية.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الأبعاد القانونية والتنظيمية لهذا المشروع، مع التركيز على المستجدات التي يطرحها في مجال التخطيط العمراني والسياسة السكنية، من خلال منهجية تحليلية تستند إلى النصوص التشريعية والمرجعيات الدستورية ذات الصلة.
الإطار القانوني والسياق العام
1.1. الأساس الدستوري والتوجيهات الملكية
يرتكز مشروع القانون على مقتضيات الفصل 140 من دستور 2011 الذي يُكرّس مبدأ اللاتمركز الإداري، كما ينسجم مع توجيهات خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2020، الداعي إلى إصلاح القطاع العام ومعالجة اختلالات التدبير المؤسساتي.
كما يندرج في إطار تفعيل توصيات الحوار الوطني حول التعمير والإسكان (2022-2023)، التي أكدت على ضرورة توحيد الرؤية العمرانية وتبسيط المساطر الإدارية وتعزيز فعالية المؤسسات.
1.2. الإشكالية التشريعية
تُعاني المنظومة الحالية من تشتت الصلاحيات بين مختلف المتدخلين (الوكالات الحضرية، الجماعات، العمالات)، ما يؤدي إلى:
غياب التنسيق والتكامل؛
تعقيد المساطر وضعف نجاعة الترخيص؛
قصور آليات الزجر والتتبع؛
وهو ما دفع إلى اقتراح إحداث 12 وكالة جهوية موحدة، تحل محل الوكالات الحضرية الحالية وتضطلع باختصاصات موسعة.
المستجدات القانونية والتنظيمية.
2.1. الطبيعة القانونية للوكالات الجهوية.
تنص المادة الأولى من مشروع القانون تحدث على صعيد كل جهة من جهات المملكة مؤسسة عمومية تحت اسم الوكالة الجهوية للتعمير و الاسكان.
فالمشروع قد نص على أن هذه الوكالات مؤسسات عمومية تتمتع بـ:
الشخصية المعنوية والاستقلال المالي تخضع لوصاية الدولة؛
إمكانية إحداث تمثيليات محلية على صعيد العمالات أو الأقاليم اذا اقتضى الضرورة.
صلاحية إنشاء شركات تابعة أو المساهمة في مشاريع لها علاقة باختصاصاتها.
2.2. توسيع المهام والصلاحيات.
وفق المادة 3، تسند للوكالات المهام التالية:
الزجر العمراني: استرجاع صلاحية مراقبة المخالفات في ميدان البناء، و مراقبة مشاريع التجزئات السكنية و المجموعة السكنية و تقسيم العقارات، مما يستدعي ملاءمة القانون رقم 12-66 والمرسوم رقم 2.19.409 المتعلق الكيفيات ممارسة مراقبة وزجر المخالفات في ميدان التعمير والبناء مع الوضع الجديد؛
إعداد التراب: إجراء دراسات استشرافية واستراتيجية تراعي المعطى المجالي والخصوصيات الجهوية؛
السياسة السكنية: المشاركة في برامج السكن الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق؛
الدراسات القبلية: إنجاز تقييم أولي للمشاريع الاستثمارية قبل إيداع طلبات التراخيص.
2.3. الحكامة الداخلية وآليات التسيير.
يعتمد المشروع على هيكلة حوكمة متقدمة تشمل:
مديراً عاماً يُعين من طرف المجلس الحكومي و باقتراح من طرف الوزير المكلف بالقطاع، وفقا للنصوص التشريعية و التنظيمية؛
مجلس إدارة يرأسه الوزير الوصي، ويضم ممثلي السلطات الترابية، رئيس مجلس الجهة، رئيس مجلس الجماعة التي تحتضن مقر العمالة مركز الجهة و رؤساء الجماعات الترابية التي يتضمن جدول الاعمال المجلس الاداري نقطة تخصها؛ مدير المركز الجهوي للاستثمار، ممثلين الحهويين للإدارة المحددة قائمتهم بنص تنظيمي،
شخصيتن مستقلتين مشهود لهما الكفاءة في ميدان التعمير والاسكان يتم تعينهما بقرار السلطة الحكومية الوصية على القطاع.
لجان متخصصة (مثل لجنة الاستراتيجية والاستثمار ولجنة الحكامة ولجنة التدقيق و التقييم)؛
مجالس للتوجيه والتتبع تعنى بالرقابة الاستراتيجية، كما نصت عليه المادتين 7 و 8 .
التحديات القانونية والانتقادات المحتملة.
3.1. تداخل الصلاحيات بين المتدخلين.
رغم رغبة المشرّع في توحيد المهام، تطرح تساؤلات حول:
مدى وضوح حدود التداخل بين الوكالات الجهوية والجماعات الترابية، خاصة في منح الرخص رغم ما تتمتع به الوكالات الجهوية للتعمير و الاسكان من رأي ملزم في منح رخص البناء و التجزيء و التقسيم و المجموعات السكنية، حيث ابانت الممارسة العملية منح بعض رؤساء المجالس الجماعية لرخص انفرادية؛ مع ضرورة التنسيق العملي مع المراكز الجهوية للاستثمار لتفادي ازدواجية المهام، لا سيما ان مشروع القانون الجديد منح الوكالات الجهوية الدراسة القبلية للمشاريع الاستثمارية سواء كانت تهم القطاع الخاص او العام.
3.2. الوضعية القانونية للموارد البشرية
ينص المشروع (المادة 16) على نقل المستخدمين من الوكالات الحضرية إلى الوكالات الجهوية، غير أنه لا يحدد بشكل صريح ضمانات حماية الحقوق المكتسبة، مما قد يخلق إشكالات في الممارسة.
وهنا يستوجب على الوزارة الوصية و المجالس الادارية لهذه الوكالات على استصدار نظام اساسي موحدا، عادلا و محفزا لمستخدمي الوكالات الجهوية للتعمير و الاسكان.
مع وجود تحديات قانونية وعملية تحتاج إلى معالجة.
3.3. الإطار الزجري والدستوري.
إسناد مهمة الضبط والزجر العمراني للوكالات الجهوية يطرح إشكالاً دستورياً مرتبطًا بـالفصل 122 من الدستور، الذي يضمن شروط المحاكمة العادلة ويحدد مهام الضابطة القضائية، وهو ما يتطلب تدقيقاً تشريعياً دقيقاً لتفادي الطعون بعدم الدستورية المحاضر المحررة من طرف اعوان و اطر الوكالات الجهوية للتعمير و الاسكان لافتقادهم للصفة الضبطية.
الخاتمة والتوصيات.
يمثل مشروع القانون 64.23 خطوة متقدمة نحو إصلاح شامل لمنظومة التعمير والإسكان، ويُكرس منطق اللاتمركز الترابي وتجويد التدبير المؤسساتي.
لكن نجاح هذا المشروع يتطلب:
1.على المستوى التشريعي:
تحيين النصوص التنظيمية المرتبطة بالتعمير، و النصوص الموازية، لاسيما قانون 12-66 المتعلق بزجر المخالفات في ميدان التعمير و البناء و مرسوم المتعلق بكيفيات ممارسة وزجز المخالفات في ميدان التعمير والبناء الصادر في 8 اكتوبر 2019؛
توضيح العلاقة مع الجماعات الترابية.
على المستوى المؤسساتي:
تعزيز التنسيق بين المتدخلين
ضمان الشفافية في التدبير
وفي هذا الصدد يجب التوضيح بدقة العلاقات التدبيرية بين الوكالات الجهوية والجماعات والمراكز الجهوية للاستثمار والمصالح الخارجية للوزارة؛ ناهيك عن ضمان الشفافية والمساءلة في تدبير ميزانية الوكالات وتمويلها.
على المستوى العملي:
تكوين الأطر لضمان نجاعة التدبير، والأمر يتعلق بتأطير قانوني محكم لمهام المراقبة والزجر، حفاظًا على التوازن بين النجاعة والضمانات الدستورية
تأسيس نظام مؤسساتي أكثر فعالية ونجاعة، من خلال تعزيز الحكامة الترابية عبر تقريب الخدمات من المواطنين .
إشراك المجتمع المدني في مراقبة الأداء، و ذلك في إطار المقاربة التشاركية و انفتاح الوكالات الجهوية على محيطها.
ملحق: توزيع الوكالات الجهوية للتعمير والإسكان بالمغرب.
جهة طنجة-تطوان-الحسيمة
الوكالات الحضرية الحالية: 4 وكالات (طنجة، تطوان، الحسيمة، العرائش-وزان)
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: طنجة
جهة الشرق
الوكالات الحضرية الحالية: وكالتان (الناظور، وجدة-انجاد)
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: وجدة
جهة فاس-مكناس
الوكالات الحضرية الحالية: 3 وكالات (فاس، مكناس، تازة)
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: فاس
جهة الرباط-سلا-القنيطرة
الوكالات الحضرية الحالية: 4 وكالات (الرباط، القنيطرة، الخميسات، الصخيرات-تمارة)
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: الرباط
جهة بني ملال-خنيفرة
الوكالات الحضرية الحالية: وكالتان (بني ملال، خنيفرة)
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: بني ملال
جهة الدار البيضاء-سطات
الوكالات الحضرية الحالية: 3 وكالات (الجديدة، السطات، برشيد)
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: سيحدد في أول مجلس إداري
جهة مراكش-آسفي
الوكالات الحضرية الحالية: 4 وكالات (مراكش، قلعة السراغنة، الصويرة، آسفي)
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: مراكش
جهة درعة-تافيلالت
الوكالات الحضرية الحالية: وكالتان (الراشيدية، ورزازات)
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: الرشيدية
جهة سوس-ماسة
الوكالات الحضرية الحالية: وكالتان (أكادير، تارودانت)
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: أكادير
جهة كلميم-واد نون
الوكالات الحضرية الحالية: وكالة واحدة
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: كلميم
جهة العيون-الساقية الحمراء
الوكالات الحضرية الحالية: وكالة واحدة
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: العيون
- جهة الداخلة-وادي الذهب
الوكالات الحضرية الحالية: وكالة واحدة
المقر الرئيسي للوكالة الجهوية: الداخلة
ملاحظات عامة:
يتم إحداث 12 وكالة جهوية جديدة تحل محل 29 وكالة حضرية حالية.
بعض الجهات تضم أكثر من وكالة حضرية حالية بينما أخرى لديها وكالة واحدة فقط.
الوكالة الحضرية للدار البيضاء تظل تابعة لوزارة الداخلية ولا تشملها عملية التحويل.
يمكن إنشاء تمثيليات للوكالات الجهوية على مستوى العمالات أو الأقاليم حسب الحاجة.
ملاحظة بالنسبة لثلاث جهات من جهات المملكة 12 تضم وكالات جهوية.
خلاصة:
ينبغي أن يكون النقاش البرلماني المقبل فرصة لمعالجة هذه النقاط وضمان تنزيل سليم لهذا الورش القانوني الهام.
*باحث في التعمير و رئيس مصلحة بالوكالة الحضرية للعيون الساقية الحمراء
*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها
مقال في المستوى