2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
تفاعلا مع تصريحات السيد وزير العدل بخصوص المقتضيات القانونية المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع

أمينة ماء العينين*
تفاجأت بتصريحات السيد وزير العدل ذات الصلة بمحاولة تجريم الإثراء غير المشروع ، والتي تتضمن معطيات مخالفة للحقيقة بمقتضى النص والواقع، وما زاد من استغرابي كون السيد وزير العدل كان نائبا برلمانيا زميلا داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان أثناء عرض ومناقشة مشروع القانون رقم 10.16 القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، ومع ذلك صرح بمعطيات غير صحيحة وهو ما أوضحه وفق ما يلي:
أولا: حاول السيد الوزير تبرير معارضته الشديدة لهذه المقتضيات، وهو ما باشره منذ عرض ومناقشة مشروع القانون أمام مجلس النواب من موقع المعارضة آنذاك-وهذا حقه المشروع- بالدفع بكون المواد القانونية المعنية تستهدف المواطنين جميعا وتضعهم موضع شبهة في علاقتهم بحقهم الدستوري في التملك، وحقهم في التمتع بقرينة البراءة، وهو أمر مخالف تماما للحقيقة، ذلك أن مقتضيات الفصل 8-256 من الفرع 4 مكرر تحت عنوان “الإثراء غير المشروع” من القانون 16.10 الذي أحاله رئيس الحكومة آنذاك ذ. عبد الإله بنكيران على مكتب مجلس النواب وقدمه وناقشه أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان وزير العدل والحريات آنذاك ذ. المصطفى الرميد تنص حرفيا على ما يلي: “يعاقب بغرامة من 100.000 إلى 1.000.000درهم كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة، انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودعه المعني بالأمر، بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة
علاوة على ذلك، يجب في حالة الحكم بالإدانة، الحكم بمصادرة الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من هذا القانون والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية” انتهى منطوق الفصل
من الواضح إذن زيف الادعاء باستهداف جميع المواطنين خارج دائرة المعنيين بالتصريح بالممتلكات كما يحددهم القانون، لأن النص لم يكن عبثيا بالدرجة التي حاول السيد الوزير تصويرها، وإنما اقتصر على فئة من المسؤولين المشمولين بواجب التصريح بالممتلكات وفق ما تفرضه طبيعة المهام التي يتقلدونها
ثانيا: يعلم السيد الوزير أن الإطار القانوني الساري المفعول حاليا ينظم عملية التصريح بالممتلكات أمام المجلس الأعلى للحسابات في بداية تقلد المهام وبعد انقضائها، غير أنه لا ينص على الجزاء في حالة ثبوت زيادة هذه الممتلكات زيادات غير مبررة، وهو ما يفرغ مقتضى التصريح الإجباري من قيمته ويكاد يجعله شكليا، دون الخوض في الصعوبات العملية في تدبير عمل المجلس الأعلى للحسابات بهذا الخصوص، وهو ما اعترف به الرئيس الأول السابق السيد ادريس جطو أمام البرلمان غير ما مرة
وبذلك كان الغرض من مشروع القانون المجهض هو إضفاء المعنى على عملية مراقبة التصريحات، وترتيب الجزاءات القانونية في حالة المخالفات
ثالثا: حاول السيد الوزير تسفيه المقتضيات القانونية من خلالها تصوير المدافعين عن القانون كفاعلين عبثيين يتلاعبون بحقوق الناس ويوجهون إليهم التهم بشكل عبثي لمجرد الزيادة في ثرواتهم وممتلكاتهم وهي حقوق يكفلها الدستور والقانون ما دامت تتم في إطاره، والحقيقة أن النص كما تم عرضه أكد على ثبوت الزيادة الكبيرة وغير المبررة، ومن المعلوم أن الثبوت يتم بناء على تحريات تتولاها الجهات المختصة بناء على مؤشرات، وأن قرينة البراءة تظل مكفولة بتنصيص مشروع القانون على الحق في إثبات المصدر المشروع للزيادة المذكورة
رابعا: إن كل محاولة لتجريم الإثراء غير المشروع لا يمكن أن تخرج عن المنهجية المذكورة، علما أن القانون الجنائي يظل قانون تجريم وعقاب وليس قانونا مسطريا أو إجرائيا ليتضمن المساطر والكيفيات والآليات التي يعهد التنصيص عليها لقوانين المساطر والإجراءات حفظا للحقوق والحريات وضمانا لعدم المس بها أو خرقها
خامسا: إن ما يعيبه السيد الوزير على مشروع القانون الذي عمل على إقباره، متضمن في القانون التنظيمي رقم100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في المادة 107 منه التي تنص على ما يلي:” يكلف الرئيس المنتدب للمجلس بتتبع ثروة القضاة، يحق له دائما بعد موافقة أعضاء المجلس، أن يقدر ثروة القضاة وأزواجهم وأولادهم بواسطة التفتيش. يمكن أن يكون موضوع متابعة تأديبية كل قاض ثبتت زيادة ممتلكاتهّ، خلال فترة ممارسة مهامه، زيادة ملحوظة لا يستطيع تبريرها بصورة معقولة” انتهى نص المادة
يتضح أن القضاة، وهم من الفئة المشمولة بالتصريح الإجباري بالممتلكات يخضعون لنفس المنطق الذي حكم الفصل المُقبَر من مشروع القانون الجنائي المسحوب، فهل يعتبر القضاة وهو المستأمنون على حفظ قرينة البراءة مجردون منها حسب منطق السيد الوزير؟ وهل يمكن اعتبار القضاة تحت القانون، في الوقت الذي يحاول فيه السيد وزير العدل الدفاع عما يعتبره حقوق مسؤولين آخرين؟
سادسا: إن المنطق الغريب الذي يدفع به السيد الوزير القائم على مقولة: ” لا توجه لي اتهاما ولا تخاطبني حتى تكتمل عناصر إدانتي لديك” لهو تقويض لفلسفة التشريع الجنائي القائمة على توجيه الاتهام ومنح الفرصة للمشتبه فيه وللمتهم للدفاع عن نفسه، حيث يظل متمتعا بقرينة البراءة إلى حين صدور مقرر قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به، أما القول بعدم التوجه للمصرحين بالممتلكات إلا بعد توفر الإثباتات، فهو خرق لقرينة البراءة ومصادرة لحقوق الدفاع وحكم بالإدانة قبل التمتع بالحق في المحاكمة العادلة واستيفاء طرق الطعن الكفولة قانونا، كما أن ما سماه السيد الوزير “افتراضات” لا يعدو أن يكون إنكارا لواقع الحال الذي يقول أن الشكاية افتراض، والوشاية افتراض، وقرارات المتابعة الصادرة عن النيابة العامة افتراض، وقرارات الإحالة الصادرة عن قضاة التحقيق افتراض، بل إن الحكم الابتدائي والقرار الاستئنافي تظل كلها “افتراضات” إلى حين حيازة المقرر القضائي لحجية وقوة الشيء المقضي به، فيصير حينئذ عنوانا للحقيقة
سابعا: إن منطق السيد الوزير الذي يكرره والقاضي بالحق المفترض حسب تصريحاته في الإفلات من العقاب مادام الجاني قد استطاع إخفاء آثار جريمته ولم تستطع سلطة الادعاء الوصول إليه، والقول “إلى قدر يتخبى بصحتو” لهو منطق غريب لا يصح ترويجه من قبل وزير مستأمن على العدل، لأن الأصل في التصريح بالممتلكات في بداية المدة الانتدابية وفي وسطها وفي آخرها جوهره الوضوح ولذلك هو منطق تصريحي مثله مثل التصريح الضريبي
ثامنا: من حق الجميع معارضة مقتضيات قانونية لا يتفق معها، لكن المعارضة يجب أن تتأسس على دفوعات لا تخالف الحقيقة ولا تُحَوِّر النص المقترح، ولا تحاول شيطنة النوايا الكامنة خلفه وتصويرها في صورة المتلاعب بحقوق الناس والمتجرئ على حرياتهم، أما مناقشة النص وطرح التخوفات المتعلقة بتطبيقه، فهو أمر مشروع طالما أثرناه من موقع الأغلبية آنذاك حرصا على التطبيق السليم الذي يسهم في تحقيق أهداف القانون وليس عكسها، علما أن الانحراف عن أهداف القانون في الممارسة والتطبيق، هي مخاطر لا يخلو منها أي نص مهما حاول المشرع تحصينه وسد أبواب الإنحراف والتحريف عنه
*عضوة الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية
الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.
رغم مل ما يقال عن العدالة والتنمية من تصريحات وتجاوزات خلقت جدلا هنا وهناك، فهذا تحليل محترم ويستحق التنويه، وكما يقول الفقهاء (كلمة حق ليس عليها جواب)
الأسف كل الأسف أن هذا المشروع ذو الرمزية الديموقراطية الكبرى لم يتف الوقوف عليه و إخراجه ضمن الولاية الحكومية السابقة ،فذلك التلكأ و الإنبطاح لقوى الضغط جعله يتأخر إلى أن جاءت حكومة التغول و التفقير و مراكمة الترواث و تكمييم الأفواه و ضرب الحقوق الأساسية من تعبير و غيرها من حقوق دستورية تاريخية مكتسبة بالإضافة إلى الظاهرة الكبرى المتمثلة في التضارب الصارخ للمصالح و التهرب الضريبي تجعل من المال العام ينتقل من اليد اليمنى الى اليسرى دون ضمير ولا حسيب و لا رقيب أمام صمت متواطىء لأكثر من جهة