لماذا وإلى أين ؟

معتضد: زيارة مستشار ترامب للجزائر هدفها إبلاغ حكامها أن الولايات المتحدة لم تعد تتسامح مع سياسة المماطلة

أجرى كبير مستشاري البيت الأبيض، مسعد بولس، زيارة إلى الجزائر في إطار جولة له بشمال أفريقيا، تشمل تونس وليبيا والمغرب.

وعن خلفيات الزيارة، كشفت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر، إليزابيث مور أوبين، في منشور لها على منصة “إكس”، أن بولس، وهو أحد كبار مستشاري إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، سيُجري في الجزائر “مناقشات إستراتيجية تهدف إلى تعزيز الأولويات المشتركة بين البلدين”.

من جهته، أفاد بولس عقب استقباله من قبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الأحد، بأنه نقل إلى الأخير رؤية الرئيس ترامب في “تحقيق السلام وهزيمة الإرهاب”، دون أن يتحدث عن أية وساطة بين الجزائر والمغرب كان أعلن في أبريل الماضي نية واشنطن القيام بها.

كما أكد المستشار الأميركي أنه يوجد في الجزائر نيابة عن الرئيس ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو، موضحا أن “العلاقة مع الجزائر تمثل أهمية بالنسبة لواشنطن، وتقدر التعاون معها لمواجهة أصعب المشاكل في العالم”، مضيفاً: “أمامنا فرص كبيرة للتعاون في مجالات عديدة، وقد أعربت عن الالتزام الأميركي بتعزيز العلاقات في المجالات التجارية والأمنية وفي مكافحة الإرهاب”.

تصريحات المسؤول الأمريكي أمام وسائل إعلام الجزائر، تطرح أكثر من علامة استفهام حول خلاصات زيارته إلى الجارة الشرقية، وهل الزيارة كانت سببها نزاع الصحراء والأمور السياسية والدبلوماسية أم أن الطابع التجاري والإقتصادي هو ما يهم الجانب الأمريكي من زيارة بوليس إلى دول شمال إفريقيا.

تفاعلا مع ذلك، يرى الخبير في الشؤون السياسية والإستراتيجية؛ هشام معتضد، أن زيارة بولس للجزائر لا يمكن قراءتها كحدث بروتوكولي عادي، بل هي خطوة محسوبة في إطار إعادة تموضع استراتيجي أميركي في إفريقيا والمغرب الكبير، حيث أصبحت الملفات الجيوسياسية أكثر ارتباطًا بالأمن الطاقي ومكافحة التمدد الروسي والصيني في القارة، مشيرا إلى أن هذا السياق يفرض على واشنطن اعتماد مقاربة أكثر حزما مع الأطراف الإقليمية التي تعرقل التسويات السياسية، وفي مقدمتها النزاع حول الصحراء المغربية.

AID L3ARCH

اللقاء في قصر المرادية حمل، وفق معتضد الذي كان يتحدث لـ”آشكاين”، رسائل غير معلنة، أبرزها أن الولايات المتحدة لم تعد تتسامح مع سياسة المماطلة التي تنتهجها الجزائر منذ سنوات في هذا الملف، مضيفا أنه من منظور التدبير التكتيكي للعلاقات الدبلوماسية، غالبًا ما يتم تمرير هذه الرسائل عبر ربط القضايا الإقليمية بالتعاون الثنائي، أي وضع ملف الصحراء ضمن شروط تعزيز الشراكة الاقتصادية والأمنية بين البلدين. فالخطاب الأميركي يركز على الواقعية السياسية، وليس على المواقف الإيديولوجية التي أثبتت محدوديتها.

وأوضح المتحدث أن واشنطن تعتبر أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب الحل الوحيد العملي والمتوافق مع قرارات مجلس الأمن، وبالتالي، كان الضغط موجهاً نحو إقناع الجزائر بأن استمرار دعمها لجبهة البوليساريو يتعارض مع مسار التسوية الذي تدعمه القوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، مبرزا أن هذا النوع من المواقف لا يعلن صراحة في البيان الرسمي، لكنه يُنقل في لغة الدبلوماسية عبر مفردات مثل “الاستقرار الإقليمي” و”التكامل المغاربي”.

وبحسب الخبير الإستراتيجي، فإن الضغط الأميركي ليس مجرد حرص على إنهاء نزاع إقليمي؛ بل يرتبط بحسابات أوسع تشمل الأمن في منطقة الساحل، حيث تشهد تصاعداً في التهديدات الإرهابية وتمدد النفوذ الروسي من خلال شركات عسكرية خاصة، مردفا أنه بالنسبة لواشنطن، فاستمرار التوتر بين المغرب والجزائر يعيق بناء تحالفات فعالة لمكافحة هذه التهديدات. لذلك، كان من الطبيعي أن يشدد بولس على ضرورة تجاوز الجمود الذي يعطل أي مشروع للتكامل الأمني في شمال إفريقيا.

تكتيكيا، تعتمد واشنطن على مزيج من الحوافز والضغوط، فمن جهة، تُلمح إلى فرص استثمارية في قطاع الطاقة، وتبادل تكنولوجي، وتعزيز الشراكة الأمنية، ومن جهة أخرى، تلوّح ضمنياً بأن استمرار التعطيل قد يقلص من قدرة الجزائر على الاستفادة من الدعم الأميركي في المحافل الدولية، مشددا على أن هذا الأسلوب البراغماتي يهدف إلى جعل الجزائر تدرك أن كلفة العناد في ملف الصحراء ستكون أعلى من كلفة الانخراط في الحل السياسي.

من جهة أخرى، يؤكد المحلل السياسي أن هذه الرسائل تعزز الموقف المغربي الذي يسعى إلى تثبيت خيار الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع. إذ يتقاطع الضغط الأميركي مع الدينامية الأوروبية الأخيرة، خاصة مواقف مدريد وباريس ولشبونة، ما يجعل الجزائر في عزلة دبلوماسية متزايدة، مبرزا أن هذه المعطيات تمنح الرباط هامشاً أوسع لتعزيز دبلوماسيتها الاقتصادية والأمنية مع القوى الكبرى.

وخلص معتضد بالإشارة إلى أن زيارة بولس الجزائر لم يكن مجرد مجاملة بروتوكولية، بل جزء من عملية إعادة هندسة موازين القوى الإقليمية، معتبرا أن واشنطن تراهن على براغماتية القيادة الجزائرية لتجاوز منطق العناد، لأن أي استمرار في الجمود قد يعرقل الرؤية الأميركية في إفريقيا. لذلك، يمكن القول إن زيارة بولس وضعت الجزائر أمام خيارين: إما الانخراط في تسوية سياسية واقعية، أو تحمل تبعات العزلة الاستراتيجية في مرحلة إعادة تشكيل التوازنات الدولية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
ابو زيد
المعلق(ة)
29 يوليو 2025 14:28

كاي مواطن عادي يتابع تسلسل الاحداث العالمية و مواقف الرئيس الأمريكي و ادارته بشكل عام…
ارى ان كل خطوة يخطوها تصب فقط في مصلحته الشخصية و مصلحة امريكا…ما عدى ذلك مجرد اجتهادات بعيد عن البراغماتية و بيع للاوهام!!!
و لا أظن أحدا يجادل في كون السياسة الامريكية اصبحت بلا اخلاق و لا مبادئ و لا حتى الامتثال لاعراف الدبلوماسية الدولية!!

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x