لماذا وإلى أين ؟

إسقاط قانون المسطرة المدنية يسائل الكفاءة التشريعية بالمغرب ويعيده إلى الصفر (خبراء)

أصدرت المحكمة الدستورية قرارا يقضي بعدم دستورية عدد كبير من مواد القانون رقم 23.02 المتعلق بالمسطرة المدنية. وأطاح القرار بأكثر من 30 مادة ومقتضى قانوني.

وخلصت المحكمة في قرارها إلى أن المواد الملغاة تخل بمبادئ دستورية جوهرية، كالأمن القضائي، وحق الدفاع، واستقلالية السلطة القضائية. ومن أبرز المواد التي تم إسقاطها، الفقرة الأولى من المادة 17 التي كانت تمنح النيابة العامة صلاحية إبطال أي مقرر قضائي مخالف للنظام العام، حتى وإن أصبح نهائيا. كما اعتبرت المحكمة أن مقطعا من المادة 84 المتعلق بتبليغ الاستدعاءات غير دستوري لأنه يؤدي إلى الشك والتخمين بدلا من اليقين.

وقضى القرار بعدم دستورية مواد أخرى، منها الفقرة الأخيرة من المادة 90 المتعلقة بحضور الأطراف عن بعد، والفقرتان الأخيرتان من المادتين 107 و364، اللتان تحرمان الأطراف من التعقيب على مستنتجات المفوض الملكي، مما يعد قيدا غير مبرر على حق الدفاع.

كما اعتبرت المحكمة أن الفقرة الثانية من المادة 339، التي تنص على ضرورة تعليل قرار رفض التجريح فقط، تخالف الدستور الذي يوجب تعليل جميع الأحكام.

ومن أبرز ما قضت به المحكمة هو عدم دستورية الفقرتين الأولى من المادتين 408 و410، اللتين كانتا تمنحان وزير العدل صلاحية تقديم طلب الإحالة، وذلك لمخالفتهما مبدأ استقلال السلطة القضائية.

كما أكدت المحكمة أن المادة 624 (الفقرة الثانية) والمادة 628 (الفقرتان الثالثة والأخيرة)، التي كانت تخول السلطة الحكومية تدبير النظام المعلوماتي لتوزيع القضايا وتعيين القضاة، تتعارض مع مبدأ فصل السلطات.

الكم الهائل من المواد التي تم إسقاطها في دفعة واحدة يضع علامة استفهام كبيرة حول أداء الحكومة والبرلمان. فكيف يمكن لقانون بهذا الحجم والأهمية، والذي مر بمراحل الإعداد والمناقشة داخل لجنة التشريع ثم المصادقة عليه داخل البرلمان، أن يتضمن كل هذا العدد من المخالفات الدستورية؟ هذا التساؤل يذهب أعمق من مجرد خطأ تقني، ليلامس أزمة كفاءة تشريعية.

ما مصير قانون المسطرة المدنية إذن بعد قرار المحكمة الدستورية وهل ستتعالى أصوات الفعاليات الحقوقية أكثر لإسقاط قانون المسطرة الجنائية الذي كانت الانتقادات الموجهة إليه أقوى وأكثر حدة؟

العودة إلى الصفر وتشجيع الأصوات المعارضة

يرى عبد العلي حامي الدين أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنه من الواجب على الحكومة أن تقوم بترتيب الآثار بناء على قرار المحكمة الدستورية.

250X300 Ministre taransition mobile

ترتيب الآثارهذا، حسب حامي الدين، متحدثا لجريدة ”آشكاين”، يتطلب تعديل ما ينبغي تعديله في النص قبل إحالته من جديد على مجلس النواب في صيغته الجديدة.

بدوره، شدد المحلل السياسي محمد شقير، على أن قرار المحكمة الدستورية ينص على أن بعض مواد قانون المسطرة المدنية الذي تمت المصادقة عليه من طرف مجلسي البرلمان طالمادة 17 والمادة 84 ومواد أخرى تعتبر غير مطابقة للدستور.

وقال شقير، في حديث لجريدة ”آشكاين” إن الأمر يتطلب إعادة تعديل المسطرة بعد مناقشتها بالبرلمان وخضوعها لنفس المسطرة التشريعية التي سبق أن مر بها النص القانوني الأول حيث سيتم نقاشها داخل لجنة التشريع قبل عرضها للمناقشة على مجلس النواب للمصادقة عليها.

وأكد شقير أن إسقاط بنود كثيرة في المسطرة المدنية، من قبل المحكمة الدستورية من شأنه تشجيع ”الأصوات المعارضة” لمواصلة الضغط على الأغلبية الحكومية لإعادة النظر في مضامين بعض بنود المسطرة الجنائية أيضا، حتى تتفادى إعادة تجربة المسطرة المدنية وإهدار مزيدا من الزمن السياسي خاصة وأن الأغلبية الحكومية في السنة الأخيرة من ولايتها التشريعية.

تساؤلات حول الكفاءة التشريعية

أما محمد الهروالي، منسق المرصد الوطني لمحاربة الرشوة، فوصف القرار بأنه “غير مسبوق في حجمه و بالغ الدلالة”، معتبرا أنه يضع تحت المجهر سؤالا أكبر حول كفاءة المشرع.

وأضاف الهروالي أن القرار يكشف عن “خلل هيكلي في بنية التشريع”، يتجاوز الأخطاء المعزولة ليلامس “ضمورا قانونيا” تمارسه المؤسسات المعنية، سواء على مستوى الإعداد أو المصادقة.

وانتقد الفاعل الحقوقي ذاته ما وصفه بـ”التسرع والارتباك” في التعامل مع نص قانوني استراتيجي كان من المفترض أن يضمن الأمن القضائي للمواطنين.

وشدد على أن هذا الانكشاف لا يُحرج فقط وزارة العدل، بل يطعن أيضا في مصداقية المؤسسة التشريعية التي صادقت على القانون بأغلبيتها الساحقة دون تمحيص دقيق.

600X300 Ministre taransition mobile

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

4 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
8 أغسطس 2025 13:08

المحكمة الدستورية قبل ان تطيح بكافئة البرلمان في قانون المسطرة المدنية، فهي تطيح بكفاءة وهبي وكفاءة اغلبيته، المصنفة في المرتبة التانية ضمن الاغلبية البرلمانية، والتانية من حيت عدد المنتخبين المتابعين قضائيا، حيت ان بعضهم وراء القضبان وبعضهم ينتظر وما بدلو تبديلا.

ابو زيد
المعلق(ة)
8 أغسطس 2025 01:44

هو بمثابة إقرار بضعف و عدم أهلية من صوتوا على قانون غير دستوري!!
هو فضح للعبة التصويت و فشل نظامنا الانتخابي الذي افرز تمثيلية ( مسرحية) للعبة الديمقراطية!!
كما أنه يساير راي الشعب المغربي في الوصي على قطاع العدل!!

سعيد
المعلق(ة)
7 أغسطس 2025 23:35

المسألة ليس لها علاقة بخطأ . وإنما الأمر كان مقصودا لأن الحكومة أرادت أن تنقلب على الدولة وبدأت منذ مدة بالعمل على تمرير قوانين غير دستورية تزيد من قوتها وتضعف بل تسكت كل من يعارض . كمثال منع جمعيات محاربة الفساد من أداء دورها . ثم عدم الأخذ بتاتا بتوصيات مجلس المنافسة وغيرها . ثم شراء العقوبة الحبسية الأقل من خمس سنوات وأسلوب التهديد واحتقار الشعب الذي يعتمده رئيس الحكومة ووزير العدل خاصة ووو . ولكن نحمد الله أن المغرب دولة ملكية . الملك يراقب ويتدخل في الوقت المناسب . إجتماع المال والسلطة في يد رئيس الحكومة يشكل خطرا كبيرا على الدولة . لأننا تابعنا أن أخنوش مع مرور الوقت بدأ يتغول وزادت طموحاته لتتجاوز الخطوط الحمراء . وعليه أن يدفع الثمن هو ومن سار معه في خطته . والحمد لله الدولة تعمل الآن على ذلك . شكراااا

علي
المعلق(ة)
7 أغسطس 2025 22:26

الأمر لا يتعلق بالكفاءة وإنما بالرغبة في خرق الدستور

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x