2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

مرة أخرى، تتحول صورة عادية لمسؤول مغربي وهو في عطلة خاصة، إلى مادة للجدل السياسي والنقاش الشعبوي. هذه المرة، الصورة تعود لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي شوهد في جزيرة سردينيا الإيطالية، يقضي عطلته الصيفية. وما إن انتشرت الصور، حتى سارع البعض إلى تحويلها إلى “قضية رأي عام”، لا لشيء سوى لأنها تمنح فرصة جديدة لتوجيه الاتهامات والركوب السياسوي على مشاعر الاستياء الشعبي.
لكن دعونا نضع الأمور في نصابها: هل أصبح لزاما على المسؤول العمومي أن يعتكف صيفا وشتاء داخل مكتبه حتى يرضي عدسات المنتقدين؟ وهل بات حقه الطبيعي في الراحة محكوما بمشاعر الغضب العام، حتى وإن لم يكن في عطلة ممولة من المال العام؟ أين تنتهي حدود الرقابة، وأين تبدأ الشعبوية؟
عزيز أخنوش، بصفته رئيسا للحكومة، يملك الحق، كأي مواطن مغربي، في الاستراحة ضمن إمكانياته الخاصة، ودون أن يكون مدينا بتبرير وجهته أو فندقه أو ثمن غرفته لأي جهة ما دام الأمر يدخل في نطاق حياته الشخصية، ولا يمس المال العام ولا واجباته الدستورية. من الطبيعي، بل من الصحي، أن يأخذ كل مسؤول قسطا من الراحة بعيدا عن الضغوط اليومية، خصوصا إذا كان ذلك يتم بشفافية وبدون تضارب مصالح.
المفارقة أن هذه “الضجة” لا تنبع من خرق للقانون، ولا من إسراف في نفقات الدولة، بل فقط من كون المسؤول المعني اختار وجهة مصنفة ضمن المناطق الراقية، وهي سردينيا. وكأن المطلوب منه أن يقنع الرأي العام بـ”بساطته المتصنعة” حتى يصبح سياسيا مقبولا في أعين التيارات الشعبوية.
المشكل الأكبر يكمن في من يصرون على تحويل كل لقطة أو تصرف أو عطلة إلى منصة هجومية لإسقاط الرمزية الأخلاقية والسياسية للمسؤول العمومي. هذا الأسلوب لم يعد يستهدف الفعل في حد ذاته، بل يستخدم كأداة لتغذية فقدان الثقة، وتأجيج التوجس من النخب، حتى وإن كانت الأفعال قانونية وشفافة. إنها عقلية “اقتنص ما تستطيع لتسقط من لا توافقه”، بصرف النظر عن المضمون أو المعايير.
ثمة خيط رفيع يفصل بين النقد المشروع والمساءلة الجادة، وبين التسفيه الممنهج والشعبوية القاتلة للثقة. وإذا استمر هذا المنطق، فسنفرغ العمل العام من رجاله، ونحول المسؤولية إلى حقل ألغام يحاسب فيه الناس على عاداتهم اليومية ومكان نومهم، لا على أدائهم ولا على خياراتهم العمومية.
من حق المغاربة أن يسائلوا أداء حكومتهم، وأن يطالبوا بنتائج واضحة وملموسة. ومن حقهم أيضا أن يرفضوا الغلاء والفساد. لكن ليس من حق أحد أن ينصب نفسه قيّما على تفاصيل حياة الآخرين الخاصة، أو أن يوظف مشاعر الناس لبناء كاريزما هجومية على حساب الحقيقة.
إن سردينيا ليست هي جوهر الإشكال، ولا صورة عزيز أخنوش وهو يستجم بعيدا عن صخب السياسة هي ما يستحق كل هذا التهويل. القضية الحقيقية تكمن في هذا النزوع المزمن نحو التسييس المفرط لكل ما هو شخصي، وفي هذا الاستغلال المتكرر لأي فرصة، حتى لو كانت عطلة، للنيل من الخصوم السياسيين وتشويه صورتهم في الوعي العام.
حين تتحول كل خطوة لمسؤول إلى مادة لتصفية الحسابات، فإننا لا نحاسب السياسات، بل نستهدف الأشخاص. وحين نحمّل صورة في عطلة أكثر مما تحتمل، فإننا نبتعد عن جوهر النقاش الديمقراطي، ونسقط في فخ شعبوية لا تبني رأيا عاما ناضجا، بل تكرس ثقافة التحامل والتشهير.
وفي النهاية، لن تقاس كفاءة عزيز أخنوش بمكان إقامته الصيفية، بل بأثر قراراته على المغاربة في الشتاء والصيف معا.
اذا اراد اخنوش ان يكون “حرا” في تصرفاته وفي حياته الشخصية فليغادر الشأن العام .ثم بعد ذلك يجب عليه إعطاء المثال في اختيار السياحة الداخلية.
هؤلاء الشعبويون يريدون إعادة المنافقين الذين يظهرون لهم البساطة للسلطة وهم أخطر بكثير ممن لا يتصنعون في حياتهم الخاصة !!😡