لماذا وإلى أين ؟

النظام الجزائري يرحل برهانه إلى معركة إعلامية بغيضة

لحسن الجيت

شعر النظام الجزائري أكثر من أي وقت مضى أن معركته الدبلوماسية لم تعد تجدي نفعا في مواجهته للمملكة المغربية. تلك المعركة على مدى خمسة عقود لم يحصد منها سوى الهزائم  المتتالية والانتكاسات واحدة تلو الأخرى التي لم تترك له المجال في التقاط الأنفاس.ضاق الحناق عليه وأصبح عالقا في عنق الزجاجة بعد توالي اعترافات القوى العظمى بمغربية الصحراء وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

في ظل هذا الانحصار الدبلوماسي الذي صرب على النظام الجزائري أصبح هامش المناورة عنده يكاد أن يكون منعدما بسبب العزلة التي وجد نفسه فيها وبسبب موقف واشنطن على الخصوص في الدفع بذلك النظام في اتجاه إنهاء الصراع المفتعل من خلال فتح قنوات الاتصال بين المغرب والجزائر لإيجاد حل يستند على مبادرة الحكم الذاتي. ولم ينفع النظام الجزائري كل محاولاته لإغراء واشنطن بوضع خيرات كل الجزائر تحت الطلب الأمريكي عسى أن يفضي ذلك الاغراء الى تخلي إدارة دونالد ترامب عن دعمها للمغرب.

وبعد أن استشعر النظام الجزائري أنه قد فقد الأمل أمام دولة عظمى غير قابلة للاستدراج، وبعد أن استشعر كذلك أنه لا يمكن له دبلوماسيا الذهاب في اتجاه معاكسة واضحة وصريحة للوساطة الأمريكية، وهي معاكسة لن ينال منها النظام الجزائري سوى آخر مسمار يغرس في نعشه. وبعد أن أيقن صعوبة تحقيق ما كان يخطط له، ارتأى أن يستبدل جواد الدبلوماسية المنهك بجواد جديد امتطاه ليخوض به معركة إعلامية مكشوفة يعلق عليها كل الأمل في محاصرة المغرب وبالتالي البحث عن إمكانية استعادة كل ما ضاع منه لعله قد يحفظ بذلك ماء وجهه أمام الشعب الجزائري.

رهان النظام الجزائري اليوم على المعركة الإعلامية هو رهان يعول عليه كثيرا وهو آـخر ما تبفى في جعبته. ولأن الأمر قد بات مسألة حياة أو موت، جندٍ راس الهرم فيهذا النظام والمتمثل في شخص رئيس هيئة الأركان الجنرال شنقريحة ميزانية ضخمة لكسب رهان هذه المعركة الإعلامية. ونقلا عن مصادر عليمة، فاق حجم تلك الميزانية 400 مليون دولار لتعبئة شاملة مستهدفة بالأساس الإعلام الأجنبي وتسخيره لخدمة الأهذاف المقيتة للنظام.

وقذ أقنع النظام الجزائري نفسه، كما فعل في السابق، أنه له مناص له من ذلك سوى التوجه من جديد إلى استخدام سياسة شراء الدمم. وهي السياسة التي نهجها من قبل مع بعض الدول الإفريقية قبل أن تنكشف مخططاته وتتضح نواياه الحقيقية من ذلك الاستقطاب. ولأنه فشل في كل ذلك، لم يبق أمامه سوى شراء ذمم  كل من له صلة بالإعلام وبالخصوص في دولة المتربولفرنسا.لقد تسلل النظام الجزائري بمال الشعب الجزائري كما هي عادته من خلال عملية ارتشاء العديد من الإعلاميين من ذوي التوجه اليساري وتمكينهم من مبالغ مالية على رأس كل شهر تتراوح، بحسب المعلومات الواردة من عاصمة لا أدري عنها عاصمة الأنوار أم الظلام والتضليل، ما بين خمسة ألف يورو في حدها الأدنى وثمانية ألف في سقفها الأعلى. كما لم يستثن النظام الجزائري في مخططه العدواني استهداف رؤساء التحرير بالدرجة الأولى وكتاب الأعمدة وأبرز الإعلاميين. إلى جانب ذلك ، استطاع النظام الجزائري أن يتسلل إلى بعض دور النشر في فرنسا وبعض المجلات ذات التوجه اليساري والتي لها سوابق في معاداة المغرب.

ونحن حينما نتحدث عن هذا الجانب فإننا لا نضيف شيئا جديدا، وإنما من باب المسؤولية وجب  التذكير به لكل من بهمه الأمر. وفي هذا الصدد، نؤكد أن موقف جريدة “لوموند” الفرنسية ليس موقفا جديدا في عدوانيته لكل ما هو مغربي وانحيازه لكل ما هو جزائري. ومن باب التذكير أيضا أن هذه الصحيفة سبق لها في عام 2013 أن خصصت في عدد لها حوالي 16 صفحة للحديث عن الجزائر وعن رئيسها آنذاك عبدالعزيز بوتفليقةمعززة  بلقاءاتإعلامية مع عدد من الوزراء الجزائريين بنية الترويج وتسويق الجزائر في الإعلام الفرنسي والأوروبي.، مقابل التغافل أو التشكيك في منجزات المغرب.

ولذلك، فحملة اليوم لا يمكن فهمها إلا في سياق عدوان مشترك يجمع النظام الجزائري وبعض الأقلام الفرنسية اليسارية. كلاهما ينطلق من منطلق واحد وهو عدم رؤية المغرب كقوة إقليمية على مستوى القارة الإفريقية. النظام الجزائري يرى في ذلك تحديا استراتيجيا  يرفع في وجهه بتهميشه قاريا وإقصائه من الزعامة التي يبذر من أجلها أموال الشعب الجزائري، وكذلك من جانب اليسار الفرنسي الذي لم يستصغ بعد أن يشاهد يوما ما أن دولة كانت محمية فرنسية باتت اليوم من أقوى الدول المنافسة للمتربول في إفريقيا الغربية.  هذا المشترك بين نظام معاد ويسار مناوئ  لابد من استحضاره في هذه المعركة الإعلامية.

إذا كان النظام الجزائري أعد ويعد ما يخطر بباله من معركة إعلامية يرصد لها كل هذا الكم الهائل من المال، فأين نحن من هذا الذي يحدث؟ صحيح أن لدينا طرقا وأدوات نشتغل بها ومن أهمها أننا نشتغل في صمت بعيدين كل البعد عن الأضواء الإعلامية ، كما لسنا بحاجة لكي نستأجر مأجورين من الخارج لكي يتولوا تجميل البلد رياء ونفاقا مقابل المال اذي قد نقدمه لهم. ونحن بذلك، لا ندعو إلى شراء الذمم كما هو حال النظام الجزائري.فالمسؤولية هي وطنية بامتياز. وما دامتقناعتنا ثابتة وراسخة فإن ذلك لا يمنع من أن يكون لدينا إعلام قوي. ما حك جلدك مثل ظفرك.

ولذلك، قبل التطرق إلى وضعية الإعلام في بلادنا، يستوجب منا من باب الحقيقة والاعتراف والتنويه من البداية ببعض رجال الإعلام وبعض المنابر الإعلامية بأنها على درجة عالية من الاحترافية والكفاءة المهنية إما على مستوى التتبع أو على مستوى القراءات الجيدة للأحداث وتنوير الرأي العام الوطني. وما سناتي على ذكره من مؤاخذات لا ينطبق بكل تأكيد على الجميع.

الإعلام في بلدنا إجمالا،  مع وجود الاستثناء، كما نعاينه يقدم لنا مشهدا بئيسا ومرد ذلك أولا أننا نفتقر إلى استراتيجية إعلامية وطنية واضحة المعالم، ثانيا في ظل ذلك ليس هناك كفاءات من الطراز العالي في حقل الإعلام . المشهد بئيس مليء بأشباح يقال عنها برجال الإعلام  مع غياب تام للتكوين والتكوين المستمر. ثالثا الإعلام عندنا في مجمله يتميز بالرداءة والإثارة سواء بالنسبة للمواد المعروضة أو البرامج التي ليس لها لا طعم ولا رائحة .رابعا الطامة الكبرى وهي أن القائمين على الإعلام لا يملكون القدرة على الفهم وعلى قراءة الأحداث الوطنية حتى يوفونها الحق اللازم والمطلوب من حيث ترويجها إعلاميا في الداخل والخارج.خامسا، في غياب كل ذلك، يلاحظ أن الإعلام الرسمي تقهقر بشكل كبير وعاجز تماما عن التعريف بالمنجزات والمشاريع الكبرى التي حققها المغرب في العديد من القطاعات. هذا العجز فتح الباب للتأويل الخاطئ وللقراءات غير الواقعية من قبل إعلام الفضاء الأزرق الذي اكتسح الساحة وترك المشهد كله تحت رحمة مروجي وحاملي المحتوى. وعلى سبيل المثال، آخر هذه الانزلاقات الخطيرة هو بعض الخرجات في وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتقد معلمة ملعب مولاي الأمير عبدالله  بالرباط الذي قيل عن ما صرف عليه كان ينبغي تخصيصه لبناء مستشفيات. والواقع أن الإعلام الرسمي لم يكلف نفسه العناء للتعريف بالحجم الهائل من المستشفيات التي بنيت أو هي في طور البناء على كافة ربوع المملكة.

وبذلك، فالظرفية لا تقبل التهاون. نحن أمام تحديات حقيقية ولا مكانة فيها للاسترخاء. فالإعلام له مكانته. وإقامة استراتيجية إعلامية وطنية يدخل في باب تقوية الجبهة الداخلية. ما يحاك ضدنا من قبل الجوار ليس هينا ولا ينبغي أن يقابله البعض منا إما بتبخيسه أو التواطؤ معه. التعبئة يجب أن تكون شاملة ومن منطلقات وطنية لا لبس فيها كمن يدعي بأنه ليس انقلابيا اليوم وغدا لا علم لنا بسريرته إلا ما علمنا الله. فالمغرب أمام تهديدات حقيقية ولا ينبغي القفز عليها بتصريح من هذه الجهة أو تلك من أجل إبراء الذمة أو اتدارك الأخطاء في حق الوطن للحصول على شهادة حسن السلوك. فالبريء بريء في همساته ولمساته ومن أوله إلى آخره. أما اللعب على الحبال لا يمكن عزله عن سياسة اسمها “التقية” التي يتبعها بعض الزعماء السياسيين .

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
9 سبتمبر 2025 12:55

ما يمارسه النظام الجزائري من سخافات اعلامية هي مجرد آدعاءات تسويقية لنظام متهالك، ولا يمكن فهم ذالك إلا في سياق ما يعانيه هذا النظام من ضغط داخلي نتيجة فشله الدريع في تدبير شؤون الجزائريين، وهي حملة تندرج في سياق خطة لامتصاص الغضب الذي بدأ سيتشري في المجتمع ويخلق تناقضات حتى داخل اجنحة النظام.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x