لماذا وإلى أين ؟

في يومها العالمي.. بودن العلام وحامي الدين يقيمون التجربة الديمقراطية المغربية

آشكاين/أميمة عطية
يحتفي العالم في 15 شتنبر من كل سنة باليوم العالمي للديمقراطية، وهو مناسبة تعيد إلى الواجهة النقاش حول واقع الديمقراطية في المغرب، خاصة في ظل الاحتجاجات الأخيرة ذات الطابع المناطقي، وصرخات الحناجر المغربية المطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد، لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم وغيرهما.

وقد أظهرت هذه الحركات الاحتجاجية مجموعة من التحديات الهيكلية التي تتطور بسرعة متناقضة مع ما أشار إليه الملك محمد السادس في خطابه السامي حول “مغرب السرعتين”.
فهل يمكن القول اليوم إن النموذج الديمقراطي المغربي فعّال في ظل المسيرات الاحتجاجية التي تعرفها البلاد، أم أن هناك أزمة ثقة عميقة بين المواطن والمؤسسات السياسية؟

ضعف الثقة في المؤسسات أبرز أعطاب الديمقراطية المغربية

الأكاديمي والمحلل السياسي محمد بودن أكد أن “المواطن المغربي يظل أساس أي عملية ديمقراطية، ومعالجة مطالبه الاجتماعية والاقتصادية والمجالية شكّلت دوماً مدخلاً جوهرياً للحد من تفشي حالة عدم اليقين في جدوى هياكل الحكامة والديمقراطية”، مبرزاً أن “عجز بعض المؤسسات المنتخبة أو الهيئات المنبثقة عن العملية الديمقراطية عن مواجهة بعض الأوضاع بسلاسة وجرأة، ينتج عنه اهتزاز العلاقة التعاقدية بينها وبين المواطنين، وهو ما يترجم على أرض الواقع بظهور ديناميات احتجاجية تعبّر عن نبض المجتمع وحيويته، وعن رحابة مساحة التعبير التي يتيحها الدستور والقوانين الجاري بها العمل”.

وقال بودن متحدثا لجريدة ”آشكاين”: “لقد جربت المملكة المغربية أشكالاً متعددة لتجديد نموذجها الديمقراطي، ومرت عبر مراحل ومحطات بارزة. ويمكن قياس مدى تقدم هذا النموذج باستعمال مؤشرات أساسية مثل انتظامية ودورية الاستحقاقات الانتخابية، واحترام الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن النقاش العمومي حول القضايا الوطنية والتشاور بين الفاعلين السياسيين، وكذا مبدأ التناوب والتداول على تدبير الشأن العام. غير أن ما يثير الانتباه هو تراجع منسوب الثقة لدى جزء من المواطنين في هذه الهيئات، وهو ما قد يصيب البناء الديمقراطي بضرر واضح، باعتبار أن الديمقراطية ليست مجرد آلية انتخابية، بل هي أحد المقومات الجوهرية لقيام مواطنة حقيقية، كما أكد جلالة الملك محمد السادس في خطبه السامية”.

وزاد: “لا يمكن تصور عملية ديمقراطية فعالة في غياب ثقة واسعة ومشاركة نشطة للمواطنين، حيث لا يمكن بناء سياسة مسؤولة في ظل فجوات واضحة بين تطلعات فئات مجتمعية أو مناطق محلية وما تستطيع الهيئات المنتخبة تحقيقه”.
وخلص بودن في معرض حديثه إلى أن المغرب قادر على تحصين مساره الديمقراطي، الذي يظل مساراً تراكمياً وهادئاً، مبرزاً أن أي تجربة ديمقراطية صاعدة لا تخلو من صعوبات وتقاطعات مصالح، غير أن دور المواطن يظل محورياً في التنبيه والمشاركة والاقتراح واختيار من يمثله، والمساهمة في إنتاج السياسات العامة وتعزيز الشفافية.

الديمقراطية المغربية بين المد والجزر

من جهته، اعتبر عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة القاضي عياض، أن “الاحتجاجات في الدول، حين تكون مؤطرة وسلمية وكثيرة العدد، تمثل في حد ذاتها مؤشراً إيجابياً على حيوية المجتمع، خاصة إذا لم تُقابل بالقمع المباشر، مما يجعل الدولة تنطبق عليها مبادئ الديمقراطية، في حين أن المغرب، بالنسبة إليه، يعرف انتقالاً ديمقراطياً لأن بعض الاحتجاجات يُسمح بها ويتم منع بعضها الآخر”.

وشدد ذات الأستاذ الجامعي على أن “المغرب يعيش حالة مد وجزر في مساره الديمقراطي، فرغم أن الخيار الديمقراطي أصبح من الركائز الأساسية للدولة، إلا أن التجربة لا تزال في طور البناء. ويظهر ذلك من خلال التنصيص على الديمقراطية كمبدأ دستوري لا يمكن التغافل عنه، مع بروز مؤشرات إيجابية وأخرى سلبية في آن واحد”.
ومن بين هذه المؤشرات الإيجابية ذكر المتحدث: حرية الصحافة والتعددية السياسية، مبرزاً أن معظم هذه المؤشرات لم تترسخ بعد بشكل قانوني ومؤسساتي كامل.

وصرح العلام لـ ”آشكاين” بأن المغرب “لا يزال يصنف ضمن الدول غير المتقدمة، وهو ما تعيه الدولة نفسها، ولهذا أنشأت اللجان الجهوية لحقوق الإنسان كخطوة أولية ضمن مسار طويل لم يغادر بعد مرحلة البدايات. فالمسلسل الديمقراطي يُبنى على توازن دقيق بين السلطات العليا والمجتمع والمؤسسات، وأي خلل في أحد هذه المكونات ينعكس مباشرة على استقرار المنظومة”.

وقال العلام: “يمكن القول إن أوج التجربة الديمقراطية المغربية برز خلال سنة 2011، التي شهدت احتجاجات واسعة وحقيقية ومنظمة، دفعت البلاد إلى الاقتراب أكثر من مسار ديمقراطي متقدم. غير أن السنوات اللاحقة حملت بعض التراجعات، وهو ما رصدته تقارير وطنية ودولية، بل وأقرت به مؤسسات رسمية دقت ناقوس الخطر في أكثر من مناسبة”.

وأبرز أستاذ القانون الدستوري عينه، أن “الخطابات الملكية نفسها أشارت إلى هذه الاختلالات، والخطاب الشهير الذي تساءل فيه الملك محمد السادس عن مصير الثروة مثّل اعترافاً صريحاً بوجود فجوة في توزيعها. وإذا كان رأس الدولة قد أقر بعدم عدالة التوزيع، فما بالك بالمواطن البسيط؟ إن المغرب يوجد اليوم في منطقة وسطى بين الاستبداد والديمقراطية، وهو ما يستدعي إرادة سياسية قوية لتجاوز التناقضات والانتقال إلى ديمقراطية فعلية”.

الاحتجاجات قوة اقتراحية فعالة على صانعي القرار

في حين، صرح عبد العالي حامي الدين، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الديمقراطية الحقيقية تمنح المواطنين آليات مؤسساتية وسلمية للتعبير عن مطالبهم وتحويل احتجاجاتهم إلى سياسات عامة.

وأوضح أن هذه الآليات تشمل الانتخابات، الأحزاب السياسية، النقابات، ومنظمات المجتمع المدني، وهو ما يساعد على عقلنة الاحتجاجات وتحويلها إلى قوة اقتراحية فعالة على صانعي القرار.

وأضاف حامي الدين، مصرحا بدوره لجريدة ”آشكاين” أن الديمقراطية تتيح أيضًا التداول على السلطة ومساءلة المسؤولين عبر الانتخابات الدورية والرقابة البرلمانية، كما تتيح المشاركة المباشرة للمواطنين في صياغة القرارات عبر الاستشارات العمومية والعرائض الشعبية. وأكد أن هذه الآليات تحوّل الاحتجاجات من الشارع إلى المؤسسات، مثل البرلمان والمجالس الجماعية الترابية، مما يقلل من حدة التوتر الاجتماعي ويحوّل الإحباط إلى مشاركة إيجابية في الشأن العام.

وكشف المتحدث أن الديمقراطية لا تلغي أسباب الفقر والتهميش بمفردها، لكنها تفتح الطريق لإيجاد حلول جماعية وسلمية، وتحوّل الغضب الشعبي إلى قوة اقتراح وضغط مشروع، بدل أن يبقى مجرد احتجاجات في الشارع.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x