2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

د ادريس الفينة
الحوار الأخير لرئيس الحكومة عزيز أخنوش لا يمكن اختزاله في مجرد “حصيلة” لأربع سنوات من العمل التنفيذي. بل هو تمرين سياسي بامتياز، أُريد منه إعادة ضبط العلاقة بين الحكومة والمواطن عبر لغة تواصلية مغايرة. أخنوش اختار خطاباً بعيداً عن لغة الخشب المعتادة، مقدّماً نفسه ليس فقط كرجل سياسة، بل كفاعل اقتصادي قادر على تفكيك الأرقام بلغة مبسطة. هذه الاستراتيجية الخطابية لم تكن بريئة؛ فهي محاولة واعية لاختراق الصورة السلبية التي رُسمت له بفعل الحملات الإعلامية المضادة، وربط شخصه مباشرة بالمواطن العادي الذي يريد وضوحاً أكثر من الشعارات مباشرة من الرجل الاول في الحكومة.
على المستوى السياسي، الحوار عكس انسجاماً حكومياً نسبياً رغم التعدد الحزبي. الرسالة المركزية كانت: الحكومة ليست في موقع دفاعي بل في موقع إنجاز، والدليل هو ما أُنجز في الملفات الاجتماعية الكبرى، خاصة ملف الدعم الاجتماعي و تحسين الأجور وتحريك الاستهلاك الداخلي. هنا يستحضر أخنوش خلفيته كرجل أعمال يدرك أن النمو لا يُبنى فقط على الاستثمار العمومي، بل أيضاً على دينامية الاستهلاك التي تشكل رافعة مباشرة للطلب الكلي.
اقتصادياً، الأرقام الرسمية تكشف عن انتعاش يقارب ما سُجل في فترة حكومة إدريس جطو، رغم ضغط عوامل خارجية عنيفة: الجفاف، أسعار الطاقة، وتراكمات سلبية سابقة. رفع حجم الاستثمار العمومي إلى مستويات غير مسبوقة ـ مع توقع تجاوز 500 مليار درهم سنة 2026 ـ ليس مجرد رقم مالي، بل تعبير عن تحول في فلسفة الدولة نحو جعل الاستثمار أداة إستراتيجية لتسريع النمو. التوقعات بوصول معدل النمو إلى أكثر من 4,6% تعكس رهاناً على استقرار نسبي داخلي، وعلى قدرة الإصلاحات الجارية على امتصاص الصدمات الخارجية في الوقت الذي تجد فيه دول متقدمة صعوبة في الخروج من ازماتها الاقتصادية.
سياسياً-اقتصادياً، مسألة “تضارب المصالح” التي استُعملت كسلاح ضد رئيس الحكومة، أجاب عنها بطريقة براغماتية: الدستور يمنح كل المواطنين المغاربة حق الاستثمار في بلادهم. هذا الرد البسيط يحمل في العمق نقاشاً غير محسوم حول العلاقة بين المال والسياسة في المغرب، وهو نقاش مؤجل يحتاج إلى تأطير قانوني واضح.
امام بخصوص الإشراف على الحوار مع الاحزاب حول المنظومة الانتخابية وتنظيم الانتخابات المقبلة في آجالها فهو يعرف جيد ان المسلسل الديموقراطي في المغرب يحتاج إلى المزيد من ترسيخ الثقة بين الفاعلين السياسيين وهذا ما اكد عليه الملك حينما طلب من وزير الداخلية (وزارة سيادة) الإشراف على هذا الملف بمنأى عن من هو رئيس الحكومة. وهذا الأمر يعطي مصداقية اكبر لهذا المسلسل ويحتمل قراءات دستورية متعددة.
أما المؤشرات الواقعية، مثل استهلاك الإسمنت، مبيعات السيارات، أو المداخيل الضريبية فقد سجلت كلها مستويات قياسية، و هي جميعاً تشكل إشارات على دورة اقتصادية جديدة صاعدة لم تتأتى أبدا من فراغ. واللافت أن هذه المؤشرات ترتبط مباشرة بملفات اشتغل عليها أخنوش منذ وصوله: تحريك الطلب الداخلي، تمويل المشاريع الكبرى، وجذب الثقة الاستثمارية عند رجال الأعمال بالداخل والخارج. هنا يظهر أثر خلفيته كـ“رجل أرقام وأعمال ” لا كـ“رجل شعارات”.
القراءة التحليلية تكشف أن الحوار لم يكن مجرد رد فعل على حملات مضادة، بل خطوة محسوبة لإعادة تثبيت الشرعية السياسية للحكومة عبر الأرقام واللغة البسيطة، وإعادة إنتاج صورة رئيس حكومة يجمع بين منطق رجل الدولة ورؤية المستثمر. هذا المزج قد يكون نقطة قوة بقدر ما يحمل معه تحدياً: إلى أي حد يمكن للرؤية الليبرالية لرجل أعمال أن تتحول إلى مشروع مجتمعي متوازن في بلد يعاني هشاشة اجتماعية وبنيوية عميقة.
الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.