لماذا وإلى أين ؟

مستشفيات عمومية تفرغ لتغذية أرباح العيادات الخاصة! (جعي)

اعتبر الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، مصطفى جعي، ـن جوهر أزمة الصحة في المغرب ليست أزمة ميزانيات فقط، بل هي قبل كل شيء أزمة تدبير، عقلية، وممارسات تقتل كل أمل في إصلاح حقيقي.

وأكد جعي أن الحديث المتكرر عن مشكل التمويل “لا يجب أن يحجب الحقيقة الأكبر، وهي أن التنظيم وسوء التدبير هما أصل الداء” مشيرا إلى أن الأزمة “ناتجة عن اختيارات سياسية ممنهجة، تقودها شبكات تتحكم في دواليب القطاع، وتسعى في كل مرحلة إلى فرض أسماء بعينها في مناصب المسؤولية، بناء على الولاء لا الكفاءة، وعلى الحزبية لا المصلحة العامة”، فيما هناك “قلة قليلة تشتغل بصمت، وتؤمن بواجبها المهني والوطني رغم غياب التحفيز والتهميش الممنهج”، وفق جعي.

لكن الأخطر، كما يشير جعي في منشور على حسابه الفيسبوكي، هو أن “القطاع العام لم يعد فقط ضحية لهذه الممارسات، بل صار جزءا من منظومة تخدم القطاع الخاص بشكل مكشوف، المعطى الذي لا يمكن القفز عليه هو أن 90 في المئة من ميزانية “راميد” – ما يعادل 10 مليارات درهم – تُحوّل إلى القطاع الخاص منذ أكثر من ثلاث سنوات، في وقت تعاني فيه المستشفيات العمومية من خصاص حاد في التجهيزات والموارد البشرية”، معتبرا أن هذا الواقع “يطرح أكثر من سؤال حول من يستفيد فعلا من نظام الحماية الاجتماعية، ومن يستنزف موارده باسم الخدمة العمومية”.

جعي لا يتحدث فقط عن أرقام، بل عن ممارسات يومية تعيشها أطر الصحة، حيث بات بحسبه ” من الشائع أن يُهمل بعض المهنيين عملهم بالقطاع العام، بل ويغيبون حتى في أيام الحراسة، مقابل التفرغ الكامل للعمل في العيادات والمصحات الخاصة”، مبرزا أن “هذا الوضع، الذي يتم أحيانا بغطاء وتسهيل من مسؤولين، يكشف حجم التواطؤ والانحراف عن أخلاقيات المهنة، ويجعل المرفق العمومي مجرد واجهة تُستغل، لا مؤسسة تقدم خدمات متكافئة للمواطنين”.

ورغم هذا الواقع، يشدد جعي على أن “القطاع لا يخلو من الشرفاء” وأن هناك من الأطر الصحية “من ما زالوا مؤمنين بقيمة المرفق العمومي، يشتغلون بتفانٍ رغم التهميش والإقصاء، ويحملون همّ الإصلاح من الداخل”، هؤلاء بحسبه ” لا يبحثون عن الربح السريع، بل عن كرامة في العمل وعدالة في الفرص، وهم يؤمنون بأن الإصلاح ممكن، لكنه مشروط بإرادة وطنية صادقة، وليس بحسابات حزبية أو مصالح فئوية”.

ولعل أكثر ما يعكس سوء التدبير، في نظر جعي، هو “المفارقة الصارخة بين الأجنحة الإدارية بالمؤسسات الصحية، التي تُجهّز بعناية وتُجهّز بمكيفات وروائح وعمال نظافة وحراسة، وبين أقسام حيوية كمصالح المستعجلات والولادة التي تعاني من أبسط شروط النظافة والتجهيز”، مشددا على أن هذه المفارقة “ليست مجرد تفصيل، بل تعبير صريح عن انقلاب في منطق المرفق الصحي، حيث صارت الإدارة غاية في ذاتها، والمريض مجرد تفصيل ثانوي”.

أما الحديث عن الجودة، فيراه جعي “غير ممكن في ظل اعتماد المؤسسات الصحية على موارد بشرية مؤقتة أو متدربة، خصوصًا في إطار شراكات مع جمعيات ومقدمي خدمات يعملون في ظروف هشة، تفتقر إلى الحد الأدنى من الاستقرار المهني والوظيفي”، وأن هذه السياسة الترقيعية، كما يسميها، “لا تساهم في تحسين الخدمة الصحية، بل تخلق اختلالات إضافية، وتفتح الباب أمام مزيد من الفوضى والريع المهني”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x