2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
الأهداف الخفية وراء نداء ابن كيران لوقف حراك شباب ”Z” بعد دعمه

أشكاين
في مشهد سياسي لا يخلو من المفارقات، عاد عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق، ليتراجع مجددا عن موقفه من دعم احتجاجات “جيل Z”.
ففي ساعة متأخرة من الليل، وبعد أيام فقط من تأييده العلني لهذه الاحتجاجات، بث ابن كيران شريط فيديو غير اعتيادي دعا فيه إلى وقفها، محذرا من “عواقب وخيمة” في حال استمرارها.
التوقيت غير المعتاد للخروج الإعلامي، والسياق السياسي المتوتر، يثيران أكثر من سؤال حول خلفيات هذا التحول المفاجئ، خصوصا أن ابن كيران لم يكن مجرد متفرج على دينامية الشارع، بل بدا وكأنه أحد منسقي إيقاعه، بين التحفيز والفرملة، وفق ما يخدم مواقفه السياسية وموقعه من السلطة.
تراجع أم تكتيك؟
في خطابه الأخير، قال ابن كيران إن “كلمة الشباب قد وصلت”، في إشارة إلى أن زمن الاحتجاج قد انتهى، وأن أي استمرارية قد تؤدي إلى نتائج غير محسوبة. لكن هذه العبارة في ذاتها توحي برسالة أعمق: الرجل يتصرف كما لو أن لديه مفاتيح تحريك الشارع وتهدئته، وكأنه يملك سلطة معنوية على فئة غاضبة، صاعدة، ورافضة أصلًا لأي تأطير أو وصاية سياسية.
هنا، تظهر مفارقة بنيوية في علاقة ابن كيران بالشارع. فهو لا يرى في الاحتجاج أداة تغيير أو تعبير جماهيري مستقل، بل مجرد ورقة ضغط تُستخدم في لحظة معينة، وتُسحب في لحظة أخرى، بحسب الحاجة السياسية.
دعم ظرفي… واستثمار محسوب
في كلمة سابقة له، يوم الأحد 28 شتنبر، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي التاسع للحزب بطنجة، عبّر ابن كيران صراحة عن دعمه لاحتجاجات “جيل Z”، معتبرًا أن هؤلاء الشباب يرون المستقبل “مظلماً” وأن من حقهم التعبير عن غضبهم.
هذا التصريح أضفى نوعًا من الشرعية السياسية على حركة احتجاجية ناشئة، ما اعتبره البعض دعمًا رمزيًا ساهم في توسيع قاعدة المحتجين وتعزيز شعورهم بوجود ظهير سياسي، حتى وإن رفضوا في العلن أي احتواء أو وصاية من الأحزاب والمؤسسات.
غير أن هذا الموقف لم يصمد طويلًا. وبثّ ابن كيران لشريطه الليلي بعد تفجر أحداث عنف مرتبطة بالاحتجاجات، أعاد ترتيب أوراق اللعبة، وطرح تساؤلًا جوهريًا: هل كان تراجعه مجرد ندم على موقف سابق، أم خطوة محسوبة في إطار لعبة سياسية أوسع؟
بين 20 فبراير و”جيل Z”: ذاكرة الانتهازية؟
عند استحضار هذا التحول، يصعب تجاهل موقف ابن كيران السابق من حركة 20 فبراير. فرغم إدراكه حينها لجدّية مطالبها ومصداقية قياداتها وسياقها السياسي، اختار الاصطفاف ضدها، مفضلًا موقعًا تفاوضيًا مع السلطة منح حزبه فرصة الصعود إلى الحكم لاحقًا.
أما اليوم، فيبدو أنه اختار دعم حركة لا تزال بلا قيادات واضحة، ولا مرجعيات معلنة، ولا هيكلة تنظيمية، ما يجعلها ساحة مفتوحة يمكن توظيفها أو الانسحاب منها بسهولة، دون تكلفة سياسية كبيرة.
هذا السلوك يضعنا أمام خيارين تحليليين:
الخيار الأول: أن ابن كيران ندم على دعمه لحركة لم يتمكن من توجيهها أو التأثير في مسارها، ووجد نفسه أمام احتجاجات خرجت عن السيطرة، فاختار التراجع لتقليل الخسائر السياسية.
الخيار الثاني (وهو الأرجح): أن الرجل يتحرك وفق منطق سياسي براغماتي، يُعيد فيه إنتاج ما فعله إبان 20 فبراير، حين تعامل مع الحراك كمصدر تهديد وفرصة في آن واحد، فاستثمره بذكاء ليعيد التموضع داخل الحقل السياسي.
هل يحاول ابن كيران استعادة دوره كـ”منقذ”؟
قد يرى ابن كيران في نفسه فاعلًا سياسيًا لا يزال يملك تأثيرًا في الشارع، وقادرًا على “احتواء” الحركات الاحتجاجية وتوجيهها، بل وتقديم نفسه للسلطات كوسيط محتمل، تمامًا كما حدث في الماضي.
في هذا السياق، قد لا يكون دعمه ثم تراجعه عن دعم احتجاجات “جيل Z” سوى محاولة لإيصال رسالة للداخل والخارج، مفادها أن “الزعيم الشعبي” لا يزال حاضرًا، وأن الحزب الذي تقهقر انتخابيًا لا يزال يملك قاعدة اجتماعية يمكن تفعيلها أو تهدئتها عند الحاجة.
لعبة مكشوفة؟
تحركات ابن كيران، المتأرجحة بين الدعم والرفض، بين الخطاب الشعبي والحساب السياسي، تطرح تساؤلات حول مدى مصداقية تعاطيه مع قضايا الشارع، وهل يرى في الحركات الاجتماعية قوة تغيير حقيقية، أم مجرد أوراق توظف في معركته الخاصة ضد الحكومة الحالية، أو لتلميع صورته في وقت يعيش فيه الحزب أحد أضعف لحظاته التنظيمية؟
في النهاية، يبدو أن ابن كيران لا يقف فعليًا إلى جانب الاحتجاج كمسار نضالي مستقل، بل يسانده فقط طالما يخدم أهدافًا ظرفية، ويُسهّل له إعادة التموضع داخل المشهد السياسي، لا لصالح الحزب كله، بل لصالح صورته كزعيم لا يزال “قادرًا على التأثير”.