2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
مجرد رأي لمن يهمهم الأمر في حالة الاحتقان التي يشهدها الشارع المغربي

د.تدمري عبد الوهاب
انطلاقا مما يشهده المجتمع المغربي من غليان شعبي جسدته مؤخرا الاحتجاجات الشبابية الأخيرة بغض النظر عن مسمياتها جيل Z او غيرها من المسميات. وهي احتجاجات تم التهيؤ لها من داخل الغرف المغلقة في العالم الافتراضي قبل أن تتحول إلى وقائع ملموسة في العالم الواقعي . وهي احتجاجات لها ما يبررها ان استحضرنا حالة الفساد التي تكتسح منظومتنا السياسية والاقتصادية وما يخلفه ذلك من آثار خطيرة على حياة شرائح واسعة من المجتمع المغربي و جعلت المغرب يتذيل قوائم التصنيف الدولي ،سواء من حيث التعليم المرتبة 154 او الصحة المرتبة 90 و التنمية البشرية المرتبة 120 اضافة الترتيب الكارثي كذلك في مؤشر الرشوة والشفافية المالية.كما أنها احتجاجات يقودها شباب قاسمهم المشترك هو المسافة الكبيرة بينهم وبين الأحزاب السياسية ،أغلبية ومعارضة ، التي يحملونها المسؤولية في تدهور الأوضاع المعيشية وتفشي البطالة في صفوفهم . وهو ما ينسجم والارقام التي قدمها المركز المغربي لتحليل السياسات سنة 2024 الذي قال فيه إن عدد المواطنين والمواطنات المنتمين للأحزاب لا يتجاوز نسبة 2% و6% فقط ينتمون للجمعيات. هذا بالإضافة إلى أن المطالب المعبر عنها خلال هذه الاحتجاجات لا تعدو ان تكون حقوقية واجتماعية كالحق في الشغل والصحة والتعليم والكرامة ومناهضة الفساد دون طرح مشاريع سياسية مجتمعية بديلة .بمعنى أصح أنها حركات اجتماعية مطلبية وليست مشاريع سياسية بديلة .
إن هذه الاحتجاجات المتسعة جغرافيا المنفلتة عن الأحزاب والنقابات التي كانت في مرحلة سابقة تتبوأ صدارتها كما كان الشأن مع انتفاضات سنوات 65 81 90 84 من القرن الماضي ليست وليدة اللحظة. بل هي استمرار وتطوير لحراكات شعبية اخذت حينها طابعا محليا كحراك زاكورة، وحراك الريف، وحراك جرادة .لكن دائما بنفس المطالب الاجتماعية والاقتصادية و بنفس المسافة عن النقابات والأحزاب السياسية. وهي الاحتجاجات التي كان على الدولة واجب فهم أسبابها العميقة والعمل على معالجتها في إطار رؤية مجتمعية جديدة تروم استراتيجيا إلى إعادة البناء الشاملة للمجتمع والدولة والمؤسسات الوسطية وخاصة الأحزاب السياسية التي تحولت إلى دكاكين انتخابية موسمية هدفها هو الاستفادة من الريع و مراكمة المال الفاسد. وهو مع الأسف ما لم تنتبه له هذه الاخيرة واستكانت بدل ذلك للمقاربة الامنية لمعالجة أوضاع كانت تنم كل مؤشراتها عن فشل نموذج نظام الحكم المركزي الذي تبنته الدولة منذ الاستقلال. والذي كان من نتائجه تراكم الثروة والسلطة لدى عائلات بعينها ، ولوبيات فاسدة وذلك على حساب مصالح الشعب المغربي المتمثلة في حقه في التنمية والثروة والديمقراطية والكرامة. . لكن إن كانت هذه الحراكات المحلية استطاعت الدولة اخمادها باستعمال القوة المفرطة والاعتقالات والمحاكمات التي بلغت 20 سنة سجن بالنسبة لمعتقلي حراك الريف. فهل تصلح نفس المقاربة الامنية في التعامل مع هذه الاحتجاجات بالاتساع الجغرافي الزخم الذي تشهده؟ .أم ان المقاربة الأمنية في هذه الحالة ستزيد من غضب الشارع و يمكن أن تؤدي إلى حالة من الفوضى الشاملة. خاصة مع غياب أي دور لمؤسسات الوسيط التي فقدت مصداقيتها لدى المجتمع المغربي بكل اطيافه .بل وتحملها مسؤولية الأوضاع الكارثية التي يشهدها الشعب المغربي بكل طبقاته المتوسطة والدنيا . اضافة الى الى الثورة الرقمية التي أصبحت تغطي كل الأحداث والخروقات الامنية في حق المحتجين .ولم يعد بالإمكان حجب المعلومة والتحكم فيها من طرف الإعلام الرسمي كما كان الشأن سابقا . وهو ما سيزيد درجات العنف المصاحب لهذه الاحتجاجات خاصة أن تمادت الدولة في أعمال مقاربتها الأمنية .علما أن العنف، وانطلاقا من الأوضاع آلهشة التي تعيشها الفئات المسحوقة في المجتمع، أصبح سلوكا اعتياديا رغم أنه في حالة السلم والاستقرار النسبي كان موجها بالدرجة الأولى نحو أفراد المجتمع نفسه .أما الان وفي ظل هذه الأوضاع يتحول بالضرورة نحو الدولة ومؤسساتها والممتلكات العامة والخاصة .
إن الأوضاع الحالية تقتضي بشكل استعجالي من اعلى سلطة في الدولة. ولن أقول الحكومة التي وببيانها الأخير حول الاحتجاجات الحالية قد وقعت شهادة وفاتها :
أولا : اعتماد المقاربة الحقوقية في تعاطيها مع الاحتجاجات السلمية .
ثانيا : دعوتها الصريحة، من خلال ما تملكه من قنوات إعلامية، للقوات العمومية ولبعض الشباب الى نبذ العنف واحترام الممتلكات العامة والخاصة.مع أعمال المحاسبة المساءلة القانونية في من ثبت في حقه ذلك.
ثالثا:إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الشعبية وعلى رأسهم معتقلي حراك الريف وكل معتقلي الرأي في المغرب وذلك في خطوة تبين من خلالها الدولة عن نيتها الدخول في حالة انفراج حقوقي وسياسي .
رابعا : توجيه رسائل للمحتجين تطالبهم فيها بالتهدئة وعدم اللجوء إلى العنف مع التعبير عن استعدادها لفتح حوار مجتمعى شامل حول مختلف المطالب المشروعة للشعب المغربي .
خامسا : الإعلان عن استعدادها لحل الحكومة و البرلمان وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتشكل من أطر كفئة و نزيهة مهمتهم تدبير المرحلة الانتقالية ،و البحث في صيغ إيجاد مشروع مجتمعي وسياسي جديد .الهدف الأسمى منه هو إعادة البناء الشاملة للمجتمع والمؤسسات والدولة .لأن المشروع الذي قامت عليه هذه الأخيرة منذ بداية الاستقلال إلى الآن قد شاخ واستنفذ مهامه التاريخية وفشل في تحقيق الأهداف التي طالما سوق لها والمتمثلة في التنمية المستدامة والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية .
أقول قولي هذا حتى يتمكن المغرب من استرداد عافيته واستقراره ونمائه .ولصد كل المحاولات الخارجية للاستثمار في الاحتجاجات الحالية. خاصة وأن المغرب يقع في منطقة جيواستراتيجية مهمة تتنازعها الكثير من المصالح الدولية والقوى العالمية المتصارعة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.