2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

حسن غربي: الحسيمة
في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى توسيع شبكات الحماية الاجتماعية، ومد يد العون إلى الفئات الهشة عبر توفير مراكز اجتماعية مجهزة وتفويض تسيرها لجمعيات المجتمع المدني، باتت بعض هذه الفضاءات، بمدينة الحسيمة، تتحول تدريجيا إلى منصات للاستغلال المالي، في ظل صمت مطبق للجهات الوصية.
فالمراكز الاجتماعية، التي أنشئت بتمويلات عمومية وتهدف أساسا إلى تقديم خدمات اجتماعية مجانية أو شبه مجانية للنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، والشباب في وضعية هشاشة، أضحت في بعض أحياء الحسيمة خارجة تماما عن مسارها الأصلي عدد من هذه المراكز لا تؤدي أدوارها الأساسية، بل تحولت إلى مشاريع ربحية مموهة، تدر على مسيّريها مداخيل غير معلنة، في غياب تام لأي رقابة فعلية أو تقييم فعلي للأداء.
ما يثير الاستغراب أكثر هو أن بعض هذه المراكز استغلت، بعيدا عن أعين الرقابة، كقاعات للأفراح والحفلات، تكترى بمبالغ مالية مرتفعة، دون أن يعاد استثمار هذه الموارد في تحسين خدمات المركز أو تطوير برامجه الاجتماعية، وفي المقابل، يعجز المستفيدون الفعليون من فئات معوزة وهشة من ولوج تلك الفضاءات خارج “المناسبات الرسمية”، وكأنهم عالة على مرفق عمومي من المفترض أنه أُنشئ لخدمتهم.
وتذهب بعض الممارسات إلى أبعد من ذلك، إذ سجل في عدد من المراكز الاجتماعية في الحسيمة فرض رسوم مالية على المستفيدين مقابل أنشطة من المفروض أن تكون مجانية، كالتمارين الرياضية، والدعم المدرسي، والورش التكوينية والحرفية، الأسوأ من ذلك أن أسر أطفال في وضعية إعاقة تجبر على دفع مبالغ شهرية مقابل استفادة أبنائها من أبسط الخدمات، تحت طائلة الحرمان أو الإقصاء غير المعلن.
كل هذا يحدث في ظل استفادة هذه الجمعيات من دعم مالي مباشر من طرف الدولة، سواء عبر منح سنوية، أو تجهيزات، أو تغطية فواتير الماء والكهرباء، ناهيك عن امتيازات أخرى، ما يطرح تساؤلات جدية حول جدوى هذه الشراكات، ومعايير اختيار الجمعيات المسيرة، وغياب التقارير المالية والرقابية الشفافة.
السلطات المختصة في الحسيمة، بدورها، تلتزم الصمت أمام هذه التجاوزات التي أصبحت معروفة ومتداولة بين الفاعلين المحليين، فلا لجان تفتيش دورية، ولا تقارير تقييم علنية، ولا مساطر للمحاسبة أو المتابعة، ما يفتح الباب أمام تعميم هذه الممارسات وشرعنتها ضمنيا.
في مقابل هذا الوضع المختل، تجد جمعيات جادة ومتفانية نفسها مهمشة أو محرومة من فرص الاستفادة من هذه الفضاءات، في غياب عدالة حقيقية في منح التراخيص، أو اعتماد معايير مهنية واضحة تقوم على النجاعة والالتزام وليس على العلاقات أو الولاءات.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في منظومة تدبير المراكز الاجتماعية بالحسيمة، من خلال فتح ملف شفاف لمحاسبة كل من تورط في تحويل مرافق الدولة إلى مشاريع تجارية، تنزيلا للتوجيهات الملكية السامية الداعية إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما ورد في عدد من الخطب الملكية، أصبح من الضروري تفعيل آليات الرقابة والتتبع داخل المراكز الاجتماعية بالحسيمة، لضمان حسن تدبيرها وخدمة الأهداف النبيلة التي أُنشئت من أجلها.”
فلا معنى لمراكز اجتماعية تبنى بمال الدولة، وتدار بمنطق السوق، وتغلق في وجه من خلقت لخدمتهم.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها