2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

آشكاين/الطوبي محمد
أعاد “جيل ديسكورد” – المنصة التي كانت مخصصة للعب قبل أن تتحول إلى أكبر “حزب معارض” في المغرب، أو ما عُرف بـ“GEN Z212” – الحياة للنقاش السياسي بعد سنوات من الهدوء والرتابة التي خيَّمت على الجو العام.
لقد شكَّل التحالف بين الأحزاب الثلاثة الأولى المتصدرة للانتخابات البرلمانية لشتنبر 2021 لحظة فارقة في تاريخ المغرب، إذ لأول مرة تتفق الأحزاب المتصدرة وتُشكِّل أغلبية مُريحة من حوالي 270 نائبًا، بالإضافة إلى 19 نائبا من الاتحاد الدستوري المساند للحكومة.
منذ تلك اللحظة، بدى واضحًا أن “المعارضة الرسمية” فقدت آخر أنفاسها، فالأحزاب التي كانت بالأمس تتناوب على انتقاد السياسات العمومية، صارت اليوم تتبادل الأدوار داخل الحكومة أو تصفق لقراراتها، لتصبح ظلًا باهتًا، وصوتًا بلا صدى، وواجهة بلا جمهور.
متأثرة بتوابع “الربيع العربي” وما أُطلق عليه “النكسة التي تلي الثورات الجماهيرية غير المكتملة”، أفل نجم “معارضة الشارع” والمشكلة من أحزاب اليسار والنقابات و”العدل والإحسان” وبعض المجموعات الأخرى، وانكسرت “جبهتها الاجتماعية” وتنسيقياتها.
في المقابل، وُلد شيء جديد خارج القاعات المكيفة للمقرات، شيء افتراضي لكنه حقيقي في تأثيره، لشباب في العشرينات، بلا انتماء حزبي، بلا بطاقة انتخابية في الغالب، قرروا أن طريق المعارضة لا يمر عبر صناديق الاقتراع، بل فعلًا رقميًا يولد من “سِيرفر ديسكورد” أو “ستوري إنستغرام” أو “مقطع التيك توك”.
لقد استطاع هذا الجيل أن يُعيد تعريف السياسة بلغته الخاصة، وأن ينقلها من البرلمان إلى الهاتف، ولم يعد السؤال من يتحدث من على المنصة، بل من يجلس خلف الكرسي الذي يُدير “سيرفر ديسكورد”.
كل منشور أو بث مباشر صار أشبه بخطاب معارضة، وكل سخرية من وزير أو فضح لتناقضات الخطاب الرسمي صار موقفًا سياسيًا له أثر حقيقي في الشارع، لتصبح الحسابات المجهولة أكثر تأثيرًا من الأحزاب المعروفة.
إن التطور التكنولوجي لم يغير فقط أدوات التواصل، بل غيَّر قواعد اللعبة، وفقدت السلطة الحصرية على المعلومة، وفقدت الأحزاب الحصرية على التعبير السياسي، لتتحول السياسة إلى مساحة مفتوحة يتقاسمها الجميع: الصحفي، الطالب، المؤثر، والعاطل الذي يجد في “ديسكورد” ما لم يجده في مقر الحزب.
المفارقة أن المعارضة الرقمية لا تحتاج تمويلًا، ولا ترخيصًا، ولا بيانات رسمية، وهي بحاجة إلى غضب مشترك، وهاشتاغ، وصوت موحد ضد التكرار والفساد والوعود المؤجلة.
لقد أفلت المعارضة الحزبية لأنها فقدت خيالها وقدرتها على التجدد، ولأن الشباب لم يجدوا فيها سوى “لغة الخشب” نفسها التي حفظها آباؤهم، مقابل عالم رقمي منحهم حرية القول والضحك والغضب بلا وساطة، بلا هيئات ولا بيانات.
اليوم، حين تريد أن تعرف مزاج الرأي العام، لا تذهب إلى مقر النهج الديمقراطي أو فدرالية اليسار أو تعتكف مع العدل والإحسان، بل إلى غرفة صوتية في “ديسكورد”، فهناك تدور السياسة الحقيقية، بصخبها وعفويتها، وبلا بروتوكول.
قبل سنوات، كتب الباحث والأستاذ المتخصص في العلوم السياسية، عبد الرحيم العلام: “يحدُث أن بعض النقاش السياسي أو الفكري، يقع في تعميم يفيد بأن الشباب المغربي ينفر من السياسة ولا يهتم بالشأن العام، وأنه بسبب ذلك، يستحقّ واقعه، ولا لوم إلا على الشباب لأنهم يرفضون المشاركة في الحياة السياسية”.
وأكد العلام، ضمن مقال بعنوان “مشكلة الشباب: هل مع السياسة أم الأحزاب؟”، أن “مقولة ‘الشباب عازف عن السياسة’، هي مقولة مضلّلة نوعًا ما.. ويصعب أن نعوِّل على الأحزاب الموجودة في الساحة (سيما المشاركة في اللعبة السياسية)، في إعادة ثقة الشباب في المؤسسة الحزبية، بل ربما لن تزيد هذه الأحزاب الشباب إلا نفورًا منها، والبحث عن بدائل أخرى من أجل تصريف مواقفها”.