2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

أفادت تقارير فرنسية أن باريس عرضت على المغرب دراسة النموذج السياسي لبولينيزيا الفرنسية، المعتمد منذ سنة 1984، كخيار يمكن الاستئناس به في إطار تفعيل مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء.
ووفقاً لموقع أفريكا إنتلجنس، فقد توصلت الرباط في 29 غشت بمذكرة من الحكومة الفرنسية تتضمن ملاحظات واستفسارات بشأن تفاصيل المشروع المغربي، خاصة ما يتعلق بتمثيلية السكان المحليين وعودة الصحراويين المقيمين في تندوف.
في هذا الصدد قال البراق شادي عبد السلام وهو خبير دولي في إدارة الأزمات و تدبير المخاطر و تحليل الصراع أن هذا المقترح “يشوبه تباين جوهري في الشكل والمضمون والغاية، مما يحول دون إمكانية استنساخ النماذج أو إسقاطها بمعزل عن السياقات الوطنية الخاصة.
وأشار البراق في حديث لجريدة “آشكاين” أن المبادرة المغربية تندرج في إطار استكمال الوحدة الترابية وسيادية مشروعة على الأقاليم الجنوبية، حيث أن الغاية القصوى هي الإدماج النهائي وتكريس الوحدة الوطنية. أما بخصوص بولينيزيا، فهي تتعلق بمستعمرة سابقة، ويفسر الحكم الذاتي فيها كآلية لتدبير علاقة ما بعد الاستعمار أو كخطوة نحو تقرير المصير، مع إمكانية فتح الباب أمام حيار الانفصال في المستقبل.
حسب المتحدث فإن “غايات السكان تعكس هذا التباين، فبينما يسعى سكان الصحراء المغربية إلى تحقيق اندماج حضاري كامل ضمن إطار الوحدة الوطنية، وتأكيد المكون الصحراوي كرافد أساسي للحضارة المغربية، فإن شعب بولينيزيا الجديدة يهدف إلى الحفاظ على حقوقه السياسية والثقافية ضمن سياق قد يحمل في طياته خيار الاستقلال في المستقبل”.
هنا يشرح الباحث أن النتائج المتباينة تبرز أن النموذج المغربي يهدف إلى تكريس الوحدة والاندماج النهائي وتوطيد السيادة الوطنية بشكل لا رجعة فيه، في حين أن النموذج الفرنسي يترك مسارا مفتوحا، الأمر الذي يؤكد الطبيعة الفريدة والسيادية للحل المغربي في الأقاليم الجنوبية.
وأشار المصدر ذاته إلى أن “تنزيل مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب هو عملية مرهونة بالتوافق السياسي والإقليمي الموسع، ما يجعل إثارة الجوانب التقنية والإجرائية أو مناقشة النماذج المحددة في الوقت الراهن سابقا لأوانه وذا جدوى نظرية محدودة”.
“وما دام هناك رفض صريح للمقترح المغربي من قبل الأطراف الأخرى، وعلى رأسها الجزائر وجبهة البوليساريو، فإن النقاش حول التفاصيل التقنية كآليات توزيع الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وضوابط التمويل المالي، وتنظيم الانتخابات المحلية” يعتبره المتحدث “نقاشا نظريا لا يمكن ترجمته إلى خطوات عملية على الأرض”.
البراق اتجه إلى أن “الموقف الداعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي، والذي عبر عنه الرئيس الفرنسي بالتزامن مع توقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي بين البلدين بمثابة تثمين دبلوماسي بالغ الأهمية ودعامة محورية للمبادرة المغربية”.
هذا الاعتراف من جانب فرنسا، التي تعد عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي وشريكا تاريخيا واستراتيجيا المغرب، يضفي حسب المتحدث في العلاقات الدولية “ثقلا دبلوماسيا كبيرا على المقترح، ما يعزز من فرص تبنيه دولياً بوصفه الأساس الجدي والواقعي وذي المصداقية الوحيد القادر على تسوية النزاع الإقليمي المفتعل”.
وعلاقة بالسياق الإستراتيجي الذي تزامن فيه الإعلان عن هذا الموقف مع توقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية، صرح الباحث “أن دعم فرنسا لمبادرة الحكم الذاتي يندرج ضمن رؤية مشتركة للعلاقات طويلة الأمد التي تتجاوز المصالح الآنية لتشمل الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية للبلدين”.
ونفهم من حديث الباحث أن “لهذا الموقف الإيجابي تأثير ملموس على ديناميات الأمم المتحدة، حيث يساهم في توجيه النقاشات داخل مجلس الأمن لصالح المقترح المغربي، كما يشجع دولا أخرى على تبني مواقف مماثلة، مما يُترجم إلى إنجاز دبلوماسيا للمغرب في مساعيه لإنهاء هذا النزاع.
بالعودة للمقترح المغربي فإنه حسب المصدر “يشكل مبادرة ملكية ذات عمق تمثيلي صحراوي، إذ لم يكن قرارا أحاديا بل ثمرة مشاورات قادها المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية (الكوركاس)، الذي يضم وجهاء وممثلين عن الساكنة المحلية، مما أضفى عليها شرعية داخلية قوية وجعلها تعبيرا حقيقيا عن إرادة سكان الصحراء في إيجاد حل سياسي توافقي”.
وحسب الباحث فإن المقترح المغربي “يرتكز على مبدأين أساسيين لا يقبلان المساومة: السيادة الكاملة والوحدة الترابية للمملكة، وتفويض صلاحيات واسعة لسكان المنطقة لتدبير شؤونهم المحلية في إطار حكم ذاتي موسع. وقد قدم المغرب هذه المبادرة إلى مجلس الأمن باعتبارها حلا جديا ومتوافقا مع الشرعية الدولية، يهدف إلى تجاوز الجمود القائم وفتح أفق تسوية دائمة للنزاع’.
ويمثل المقترح حسب البراق صيغة سياسية ودستورية منسجمة مع خصوصية النظام المغربي ومقتضيات الجهوية المتقدمة، إذ يوازن بين مطلب المشاركة المحلية واحترام سيادة الدولة، ويؤسس لتدبير ديمقراطي وتنموي للأقاليم الجنوبية. كما يوفر إطارا تنمويا يعزز البنيات الاقتصادية والاجتماعية، ويمكن الساكنة من المساهمة في اتخاذ القرار وتفعيل المشاريع الكبرى، في انسجام مع النموذج التنموي الجديد الذي تتبناه المملكة”.