2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

د. تدمري عبد الوهاب
لماذا كل هذا التشنج في المزاج الرسمي الجزائري إزاء كل ما يتعلق بالمغرب؟ فهل الموقف الرسمي للجزائر المؤيد لجبهة البوليساريو، انطلاقًا من حرصها -كما تدعي- على مناصرتها لحق تقرير مصير الشعوب، كافٍ لتفسير كل هذه الاستماتة في معاداة كل ما هو مغربي، حتى وإن كان ذلك انتصارًا لهذا الأخير في لعبة كروية ضد خصم طالما ارتكب انتهاكات جسيمة في حق الشعبين المغربي والجزائري إبان المرحلة الاستعمارية؟
أم أن هذا الموقف وحده لا يكفي لتفسير كل هذا التوتر، خاصة وأن هناك دولًا أخرى عبر العالم متبنية لمواقف ليست بالضرورة مؤيدة له، ولكن رغم ذلك لا تتبنى سياسات عدائية بهذا الشكل تجاه هذا الأخير، بل وتربطها به علاقات دبلوماسية وحتى تجارية، وتصفق لبعض الإنجازات المغربية حتى وإن كانت كروية. كما أن هذا السلوك للنظام الرسمي الجزائري لا يبدو مقتصرًا فقط على المغرب، بل تخطاه إلى دول الجوار، وأخص بالذكر مالي التي تشترك معها في حدود تتجاوز 700 كلم، وهي الدولة التي تم وصف قيادتها بكل الأوصاف الدنيئة خلال جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت مؤخرًا في نيويورك. بل إن الخطاب الجزائري المليء بكل الأوصاف القدحية لم يكن يحمل أي إشارات تساعد على إعادة ربط العلاقات بين البلدين، لأن الجزائر -حسب نص الخطاب- لا تعترف بالحكومة الحالية التي تعتبرها حكومة انقلابية على الشرعية الديمقراطية! التي كان يمثلها الرئيس المخلوع السابق المعروف بولائه المطلق لفرنسا و بفساده الطافح. وهي بهذا الموقف تنحاز إلى موقف الدول الغربية التي تعتبر نفسها متضررة من هذا التحول الذي حدث في أعلى السلطة في هذه الدول. علمًا أن وصف حكومة الدولة المالية بالانقلابية هو وصف يسري ضمنًا -وفق هذا التحليل- كذلك على كل دول الساحل الأفريقي كبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد، وربما دول أخرى اختارت شعوبها شكلًا جديدًا للحكم بعد أن يئست من الرؤساء المدنيين الفاسدين السابقين حتى وإن جاؤوا عبر صناديق اقتراع متحكم فيها، أو نصبهم العسكر كرؤساء. هذا مع العلم أن أخذ الحكامة الديمقراطية كمعيار لقياس العلاقات بين الدول يجرنا إلى القول إن الجزائر نفسها غير مؤهلة للحديث في الموضوع؛ لأن شأنها شأن المغرب تتخللهما أنظمة حكم غير ديمقراطية، وغارقة في الفساد المالي والسياسي.
بل إن هذا التشنج في الخطاب السياسي للدولة الجزائرية في علاقاتها الخارجية قد طال حتى ما كانت تعتبره حليفًا استراتيجيًا، وأخص بالذكر روسيا الاتحادية التي نالت الكثير من الانتقادات من طرف الجزائر التي قدمت شكوى أمام الأمم المتحدة ضد وجود عناصر فاغنر على التراب المالي بموجب اتفاق بين دولتين ذات سيادة! والذين تحولوا بموجب القانون الروسي الجديد إلى الفيلق الأفريقي، وذلك لمساعدة الجيش المالي في محاربة الجماعات المسلحة. بل واتهامهم بارتكاب مجازر في حق المدنيين. هذا في الوقت الذي لم تحتج فيه سابقًا على القوات الفرنسية التي كانت موجودة من قبل وما كانت تقوم به هذه القوات من فظاعات. مع العلم أن الجزائر كانت ظاهريًا في صراع مع فرنسا وفي نفس الآن تربطها علاقات استراتيجية بالاتحاد الروسي من زمن الاتحاد السوفيتي.
إن السياسة الخارجية للجزائر، ولن أتحدث عن سياستها الداخلية التي لا تختلف عن نظيرتها في المغرب، تعيش فعلًا تخبطًا استراتيجيًا نتيجة لوهم العظمة الذي سكن فكر النخبة السياسية الحاكمة. وهو ما قد يدخلها في عزلة بالنسبة لدول الجوار، والتي كان من الواجب أن تشكل الملاذ الآمن والقوة التي تمنحها موقعًا متميزًا في ما قد يتمخض عليه الصراع الاستراتيجي الحالي. وذلك لو أحسنت تدبير علاقاتها مع جيرانها ونهجت سياسة عدم التدخل الفج في قضاياهم الداخلية، مع تقديم المساعدة من أجل حلها. لكن مع الأسف وبدل ذلك نجدها تتودد لأمريكا وفرنسا نكاية في المغرب من أجل ثنيهم على عدم الاعتراف بحل الحكم الذاتي للصحراء المغربية ولو أدى ذلك إلى تقديم تنازلات اقتصادية وتجارية. كما نجدها تناهض الوجود الروسي في دول الساحل وليبيا علمًا أن هذا التواجد هو خيار سيادي لحكومات هذه الدول. وبدل الدخول مع روسيا في صراع هي غير قادرة على ربحه، كان من مصلحتها الدخول معها في حوار يحفظ مصالحها ومصالح جميع الدول في المنطقة. وفي السياق ذاته يمكن القول إن التصريح الأخير لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي اعتبر فيه مقترح الحكم الذاتي في الصحراء يمكن أن يشكل حلًا لهذا النزاع الذي طال أمده إن كان مقبولًا من طرف الجميع؛ لأن هذا المقترح -حسب قوله- يندرج ضمن القرارات الأممية وحق تقرير المصير. وهو التصريح الذي يعد رسالة مشفرة تأديبية للنخبة الحاكمة في الجزائر التي بدأت تلعب على الحبلين. خاصة إذا ما أضفنا لذلك ما قاله في مسألة التوتر الذي تشهده العلاقات المالية الجزائرية الذي علله بالمشاكل الحدودية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية. وهي بالمناسبة نفسها المشاكل التي لازالت توتر العلاقات المغربية الجزائرية. وهو التصريح الذي انتقده الإعلام الجزائري الرسمي بشدة وطالب برد حازم!.
يمكن القول أن المغرب وبعد أن استدار مؤخرًا إلى الشرق، وعمل على تفعيل الشراكات المجمدة مع كل من روسيا والصين بعد أن كان قد ارتمى كليًا في أحضان الغرب -وهو ما كنت قد نبهت إليه في مقال سابق تحت عنوان “الأخطاء الاستراتيجية في السياسة الخارجية المغربية”- قد كسب بعض النقاط المهمة في ملف الصحراء، خاصة مع توالي الأخطاء في السياسة الخارجية للجزائر. هذا في الوقت الذي أصبحت فيه النخبة الحاكمة في هذه الأخيرة حبيسة جنون العظمة الذي جعلها لا تميز بين الخطأ والصواب، وأغفلت في حساباتها استحضار السهل الممتنع في علم السياسة القائم على أن قوة الدول من قوة شعوبها وعدالة أنظمة الحكم فيها، وأن الحفاظ على مصالحها الإقليمية والاستراتيجية تكمن في بناء علاقات وشراكات اقتصادية وتجارية وأمنية مربحة للجميع. أولًا مع جيرانها، وذلك في احترام تام للسيادة الترابية لهذه الدول وقراراتها السياسية وليس بافتعال الأزمات. وثانيًا باختيار حلفاء وشركاء دوليين موثوقين. وليس بممارسة سياسة ردود الأفعال أو سياسة الغموض الاستراتيجي الذي ليس بالإمكان أن تمارسه الدول الصغرى كالجزائر والمغرب ودول أخرى كثيرة؛ لأن هذا النهج يتطلب من الدول قوة اقتصادية وعسكرية رادعة تمكنها من فرض نهجها السياسي والاقتصادي خاصة في هذه المرحلة الانتقالية التي يعرفها النظام الدولي والتي تشهد توترات جيوستراتيجية كثيرة.
*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها
ھذا ليس تحليل بل كتابة ما تھوى الأنفس.الخطأ ھو جعلك للمغرب في نفس مرتبة الجزائر من حيث شرعية النظام.وھنا يكمن مصدر الخطأ المنھجي الذي يھد كل البناء السردي وليس التحليلي