2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
المؤتمر الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي: بين تمديد الولاية الرابعة وانكماش الأفق الديمقراطي

أشرف أولاد الفقيه*
ينعقد اليوم المؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في ظرف سياسي دقيق، تتجه فيه الأنظار إلى ما سيؤول إليه تعديل القانون الأساسي للحزب، بعدما تم التمهيد له من أجل تمكين الكاتب الأول إدريس لشكر من ولاية رابعة، رغم أن القوانين السابقة للحزب كانت تنص على حصر المسؤولية في ولايتين فقط.
بهذه الخطوة، يكون الحزب الذي طالما قدم نفسه كمدرسة في الديمقراطية الداخلية، قد دخل مرحلة جديدة من التمركز السلطوي حول الزعامة، حيث تم في المؤتمر الحادي عشر تعديل القانون الأساسي لفتح الباب أمام الولاية الثالثة، وها هو اليوم يسير في الاتجاه نفسه لتكريس منطق “الزعيم الأبدي” الذي يتناقض كلياً مع روح التداول والاختلاف التي أسس عليها الاتحاد تاريخه النضالي.
من منارة النضال إلى هندسة الولاءات
لقد كان الاتحاد الاشتراكي لعقود مدرسة لتخريج النخب الفكرية والسياسية، ومشتلا لرموز الديمقراطية في المغرب. أما اليوم، فقد تحول إلى بنية مغلقة، يعاد فيها إنتاج نفس الوجوه والمواقع، وتدار فيها التحالفات من منطلقات شخصية وانتخابية أكثر منها فكرية أو مبدئية.
إنّ تعديل القوانين ليس مجرد تفصيل تنظيمي داخلي، بل رسالة سياسية واضحة مفادها أن الحزب لم يعد يؤمن بالتداول، وأنه مستعد لتغيير النصوص حتى تبقى الزعامة كما هي، ولو على حساب المبادئ التي كانت تميز الاتحاد عن باقي التنظيمات الحزبية.
إغراق الحزب بالأعيان وإقصاء المثقفين
في الوقت الذي كان ينتظر من الاتحاد الاشتراكي أن يستعيد دوره كحزب للقيم والفكر، انفتح على منطق الكم الانتخابي بدل النوع السياسي، فغرق في استقطاب الأعيان والوجوه الانتخابية، وتخلى تدريجيا عن المثقفين والنخب الجامعية والشبابية التي كانت تشكل رصيده الرمزي.
أصبح الحزب اليوم أقرب إلى جهاز انتخابي تقليدي منه إلى تنظيم تقدمي، يدير وجوده من خلال “التحكم في القواعد” لا من خلال “إقناع الجماهير”.
الشباب.. بين الإحباط والنفور
حين يرى الشباب أن حزبا مثل الاتحاد الاشتراكي، الذي كان يوما ما عنوانا للنضال والديمقراطية، يغير قوانينه لتثبيت قياداته، فإن الرسالة تكون واضحة: لا مكان للتجديد، ولا جدوى من الانخراط.
هكذا يتكرس النفور السياسي وتتعزز القناعة بأن المشهد الحزبي المغربي يعيش “إجهاداً ديمقراطياً”، تختزل فيه السياسة في أشخاص لا في مشاريع.
أزمة الثقة وبداية النهاية
ما يجري اليوم داخل الاتحاد الاشتراكي لا يهم فقط مناضليه، بل يعكس أزمة عميقة في الثقافة الحزبية المغربية. فحين أصبح تعديل القانون وسيلة لتطويع الديمقراطية بدل تعزيزها، يتحول الحزب إلى كيان شمولي مغلق، يقصي الاختلاف ويعاقب النقد، ويفرغ العمل السياسي من مضمونه الأخلاقي.
وفي الاخير، إن المؤتمر الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي لا يمثل لحظة تجديد كما كان يفترض، بل محطة اختبار لضمير الديمقراطية الحزبية في المغرب. فإما أن يختار الحزب العودة إلى جذوره كمؤسسة للنضال والفكر، أو أن يعلن، من حيث لا يدري، نهايته كتنظيم تقدمي كان ذات يوم صوتا للشعب فأصبح اليوم صدى لزعيم.
*الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.