2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

تعيش حركة “جيل زد” منذ أيام حالة من الارتباك الداخلي غير المسبوق، بعدما توالت البلاغات المتناقضة التي تنسب إليها، تارة معلنة انسحابات جماعية من صفوفها، وتارة أخرى نافية أي انقسامات داخلية. هذا الجدل الذي بدأ محصوراً في بعض النقاشات التنظيمية على تطبيق “ديسكورد”، سرعان ما تحول إلى معركة مفتوحة على مواقع التواصل، حيث تعددت الشعارات واختلفت البيانات، حتى بات الرأي العام يتساءل: أي “جيل زد” نتحدث عنه اليوم؟
آخر فصول هذا الانقسام جاء من جهتين مختلفتين داخل الحركة: الأولى تتعلق بشباب جهة الشرق الذين أعلنوا انسحابهم الكامل من حركة “جيل زد” عبر بلاغ واسع الانتشار، قبل أن يصدر بلاغ آخر ينفي ذلك بشكل قاطع؛ والثانية من داخل ما يعرف بـ“جيل زد الأمازيغي” الذي قرر الانفصال عن الحركة، احتجاجاً على ما وصفه بـ“تهميش الهوية الأمازيغية” ومواقف اعتبرها “مسيئة” للأمازيغية، خاصة بعد تصريحات الصحافي أبو بكر الجامعي في بودكاست مثير للجدل استضافه فيه شباب الجيل زد على تطبيق الديسكورد.
انسحاب شباب جهة الشرق بين البلاغ والتكذيب
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مساء بومه السبت بلاغ يحمل توقيع “شباب جيل زد لجهة الشرق” يعلن انسحاب تنسيقيات وجدة وبركان والناظور وجرادة وبوعرفة وفكيك من الحركة، احتجاجاً على ما وصفه بـ“انحراف التنظيم عن مبادئه الأولى” و“تحالفه مع تيارات متناقضة”. وجاء في البلاغ أن القادة المؤسسين يرفضون الكشف عن هوياتهم، وأن الحركة تخلت عن مطالبها الاجتماعية الأساسية، لتركز على دعوات اعتبرها الموقعون “غير منطقية”، مثل مقاطعة المنتخب الوطني وكأس إفريقيا.
لكن سرعان ما صدر بلاغ آخر على قناة الحركة بتطبيق “ديسكورد” ينفي صحة الوثيقة المتداولة، مؤكداً أن “البلاغ مزيف ولا أساس له من الصحة”. وأوضح البيان أن شباب جهة الشرق “مازالوا منخرطين بشكل كامل وفعّال” في صفوف “جيل زد”، مشدداً على أن ما يروج عن “تحالفات أو صراعات داخلية” مجرد إشاعات هدفها “تشويه صورة الحركة وضرب وحدتها”. هذا التضارب زاد الشكوك حول مدى انضباط التنظيم، وأثار تساؤلات حول من يملك صلاحية إصدار البيانات باسمه.
الأزمة الأمازيغية وانفصال “جيل زد الأمازيغي”
قبل بلاغ انسحاب شباب جهة الشرق بأقل من يومين، كان قد تفجّر خلاف آخر إثر بودكاست استضافت فيه الحركة أبو بكر الجامعي، وشهد توتراً حاداً بعدما تم إنزال مداخلة ناشط أمازيغي حاول طرح سؤال حول مكانة الأمازيغية داخل الحركة. الجامعي نفسه أثار الجدل بتصريحاته التي اعتبر فيها أن ما تحقق للأمازيغية والمرأة “منح من النظام”، وليست ثمرة نضال، وهو ما اعتبره شباب أمازيغ “إهانة لتاريخ نضالهم الثقافي واللغوي”.
عقب هذه التصريحات، أعلنت مجموعات تطلق على نفسها اسم “جيل زد الأمازيغي” انسحابها من الحركة، معتبرة أن مواقف القيادة “تتناقض مع روح الانفتاح والتعدد التي يؤمن بها الشباب المغربي”. في المقابل، ردت قيادة “جيل زد” ببلاغ رسمي قالت فيه إنها “تتابع بقلق محاولات مشبوهة لبث النعرات الهوياتية بين أبناء الوطن الواحد”، مؤكدة أن المغرب “بلد متعدد في إطار الوحدة، حيث لا مكان للكراهية أو التفرقة”.
تشبث أمازيغ الجيل زد بقرارهم
وما زاد من تعقيد حرب البلاغات داخل الحركة هو تشبت شباب “جيل زد الأمازيغي” بانسحابهم من حراك “جيل زد”، مؤكدين في بلاغ ثانٍ أن القرار يأتي من موقع مستقل ومسؤول لممارسة النقد والإصلاح بعيدًا عن الوصاية الفكرية أو الولاءات العابرة للحدود، وأن الهدف ليس الابتعاد عن النضال الوطني، بل تعزيز الوعي والدفاع عن الهوية الأمازيغية باعتبارها جوهر الشخصية المغربية.
وشدد البلاغ على أن الدفاع عن الأمازيغية يعني الدفاع عن العدالة والكرامة والاعتدال، وليس نزعة جهوية أو عنصرية، ورفض محاولات بعض الأطراف استغلال الاحتجاجات والشعارات لخدمة أجندات ضيقة أو ربط الأمازيغية بالصهيونية. ودعا الشباب إلى التمسك بالمواطنة والعمل على المطالب الاجتماعية المشروعة وعدم الانسياق وراء الشعارات المستوردة، مؤكداً أن النضال الحقيقي يتم بالعمل الجاد من أجل العدالة ومحاربة الفساد واحترام الوحدة الترابية.
أزمة هوية أم أزمة تنظيم؟
تكرار صدور بلاغات متناقضة — من جهة الشرق، ومن التيار الأمازيغي، ومن قنوات الحركة الرسمية — جعل كثيرين يتحدثون عن “أزمة مصداقية” داخل “جيل زد”. فكل بيان يُنشر باسم الحركة يقابله بيان آخر ينفيه أو يكذبه، ما جعل المتابعين غير قادرين على التمييز بين الحقيقي والمزيف. هذا الوضع يثير أسئلة جوهرية حول طبيعة التنظيم، وحدود هيكلته، ومن يملك الشرعية للتحدث باسمه في ظل غياب قيادة واضحة المعالم.
ويرى متتبعون أن أزمة “جيل زد” اليوم ليست فقط خلافاً حول المواقف أو الهوية، بل اختبار حقيقي لقدرتها على التحول من ظاهرة رقمية إلى حركة شبابية منظمة. فبين من يرى أن تعدد الأصوات دليل على حيوية النقاش الداخلي، ومن يعتبره مؤشراً على الانقسام وفقدان البوصلة، تبقى الحقيقة أن الحركة تواجه منعطفاً حاسماً: فإما أن تعيد ترتيب بيتها الداخلي وتوحد خطابها، أو تتحول إلى مجرد مساحة فوضوية تستهلكها صراعات البلاغات المتناقضة.
ما يجري داخل “جيل زد” يكشف أن الحركات الشبابية الجديدة، رغم حيويتها وقوة حضورها الرقمي، لا تزال تبحث عن توازن صعب بين الحرية والتنظيم، بين التعدد والوحدة، وبين الهوية الوطنية الجامعة والانتماءات الفرعية. حرب البلاغات الأخيرة ليست سوى عرضٍ لأزمة أعمق عنوانها: من يملك حق الكلام باسم الجيل الذي أراد أن يكون صوتاً للتغيير؟
هذا ما يقع في ظل غياب قيادة (منتخبة أو متفق عليها) و برنامج واضح المعالم
اختلفوا بينكم كما شئتم دون عنف بجميع أشكاله . ومع كل الاحترام للشباب المغربي جميعه وبدون أي استثناء سواء المنخرط في هذه الهبة أو غيره و الذي هو قوة دفع نحو مستقبل أفضل. فالوطن يتسع لجميع أبنائه واذا كانت تجمعكم منصة ألعاب فالوطن ليس لعبة