2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
تشهد منطقة شمال إفريقيا حاليا حراكا دبلوماسيا أمريكيا مكثفا، يهدف إلى حلحلة التوترات المتصاعدة بين المغرب والجزائر، مع تركيز واضح على إنهاء نزاع الصحراء وفق الرؤية الأمريكية الداعمة لمقترح الحكم الذاتي كحل نهائي يضمن تقرير مصير الصحراويين وتحت السيادة المغربية.
ووفقا لتحليل سياسي نشره مصطفى ولد سلمى، قائد شرطة سابق ومنشق سياسي من جبهة البوليساريو، فإن الجبهة وصلت إلى “مرحلة متقدمة” في مسار النزاع، وقد استنفذت كافة أوراقها السياسية والحقوقية، وصولا إلى الورقة العسكرية التي أبانت عن “عجزها الكلي” منذ إعلانها العودة إلى القتال في 13 نوفمبر 2020. ويرى ولد سلمى أن البوليساريو لا تملك أية أوراق ضغط في وجه هذا الزخم الأمريكي، ومن السهل أن يجرفها “التيار الـ ترامبي” ، في إشارة إلى قرار واشنطن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء.
وقد بات خط سير المبعوث الأمريكي في المنطقة، ويتكوف، واضحا، حيث صرح بأن جدول أعماله سيمر أولا عبر “الرابوني” (مقر البوليساريو) نهاية الشهر الجاري، وصولا إلى “المرادية” (الرئاسة الجزائرية) بعد شهرين. ويفهم من هذا التسلسل الزمني أن الإدارة الأمريكية تسعى بشكل استراتيجي إلى فصل الملفات، وتثبيت ملف الصحراء عند سقف الحكم الذاتي قبل الانتقال إلى معالجة بقية القضايا العالقة بين الجارتين.
ويرى التحليل أن هذه الاستراتيجية قد تُفسرها الجزائر على أنها انحياز مسبق للمغرب، فإذا تم حسم ملف الصحراء لصالح مقترح الحكم الذاتي، ستفقد الجزائر أهم ورقة ضغط في يديها، وسيدخل المغرب مفاوضات “السلام” الأوسع معها وهو قد أخرج قضية “الصحراء الغربية” من دائرة النزاع، مما سيعزز من موقف المغرب وفرصه في بقية الملفات، وخصوصاً ملف “الصحراء الشرقية” المتنازع عليها.
وأمام هذا السيناريو، يشير ولد سلمى إلى أن القيادة الجزائرية أوْعَزَت إلى جبهة البوليساريو في تيندوف بإحياء مقترح قديم، ليجعلوا “الكونفدرالية سقفه و الفيدرالية حده الأدنى”. هذا العرض الجديد يهدف إلى الإيحاء بأن الجبهة ليست ضد الاندماج مع المغرب، بل الخلاف يقتصر على الصيغة.
ويُعتقد أن الهدف من هذا التحرك هو إعادة فتح النقاش حول حل قضية الصحراء، مما سيؤدي إلى تأجيل الحسم في دورة مجلس الأمن الوشيكة، وسيمنح المفاوض الجزائري سعة في التعامل مع عملية “السلام” الأوسع التي تدفع إليها واشنطن.
وبناء على هذه التطورات، يطرح ولد سلمى التساؤل حول مدى نجاح الولايات المتحدة في تثبيت سقف حل نزاع الصحراء عند الحكم الذاتي قبل الانخراط في تفاصيل “السلام” بين الجزائر والمغرب، أم أن لدى الجزائر من الأوراق ما يمكّنها من إبقاء الملفات مترابطة، باعتبار أن قضية الصحراء لا تزال تُشكل إحدى أقوى أوراق الضغط في جعبتها؟
وكان ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، قد فجر مفاجأة إيجابية فيما يخص العلاقات المغاربية، حيث أعلن عن توقعاته بتحقيق “اتفاق سلام” بين الجزائر والمغرب في غضون ستين يومًا. وجاء هذا التصريح في مقابلة له ضمن برنامج “60 دقيقة” (60 Minutes) على شبكة “سي بي إس” الأمريكية، حيث كشف عن جهود فريقه لتهدئة بؤر التوتر في المنطقة.
خلال المقابلة التي أجراها ويتكوف مع صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، أكد المبعوث الأمريكي الخاص أن السلام بات ممكناً في عدة بؤر خلافية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبصراحة لافتة، أشار إلى العمل الجاري على الجبهة المغاربية، قائلًا: “نحن نعمل على الجزائر والمغرب الآن… وسيكون هناك اتفاق سلام هناك في الستين يومًا القادمة، في رأيي.
من جهتها قدمت جبهة البوليساريو مقترحا جديدا إلى الأمين العام للأمم المتحدة واعتبرته مبادرة حسن نية واستجابة لقرارات مجلس الأمن في محاولة منها لإعادة إحياء خيار استفتاء تقرير المصير رغم تزايد الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي.
وقال البيان الصادر عما تسميه الجبهة ممثلها في نيويورك أن “مقترحا كانت قدمته في ابريل 2007 يدعو الى استفتاء تحت إشراف أممي والاتحاد الافريقي مع استعداد للتفاوض مع المغرب حول علاقات استراتيجية مشتركة”.
واستخدمت الجبهة عبارة “تقاسم فاتورة السلام” في محاولة لتقديم نفسها كطرف منفتح على التسوية شرط توفر إرادة سياسية لدى المغرب. كما أكدت “استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة وفق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي”.
ويأتي بيان البوليساريو في ظرف دبلوماسي يتسم بتعزيز الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي التي أطلقها المغرب سنة 2018. ويشير هذا الخطاب الى محاولة لإعادة التموضع في مواجهة تحول ميزان الدعم الدولي نحو المبادرة المغربية باعتبارها المسار النهائي المرجح لتسوية النزاع. غير أنه في مضمونه ومفاهيمه لا يزال يعكس النزعة الانفصالية التي لا تريد البوليساريو التخلي عنها.