لماذا وإلى أين ؟

ثلاثة سيناريوهات للحل في إقليم الصحراء الغربية المغربية

عبد العلي أشرنان*

لقد شكَّل نزاع الصحراء الغربية المغربية الشغل الشاغل للدبلوماسية المغربية منذ استرجاعها لِحوزة المملكة المغربية بعد المسيرة الخضراء. ورغم التضحيات الجسام التي دفعها المغرب في سبيل الحفاظ على سلامة التراب الوطني ووحدته بشكل مباشر من خلال شهداء حرب الصحراء وفاتورتها المُكلفة، إلا أن المغرب، منذ تولي جلالة الملك محمد السادس سدة الحكم، عزز من سلطته على أرض الواقع من خلال البنية التحتية، ومشروع الحكم الذاتي، والاستثمارات، والربط الإفريقي، والموانئ والطرق السريعة.

وعلى الصعيد الخارجي استطاع أن يُقنع الدول الكبرى بمشروعه السياسي الجديد كحل نهائي، لا غالب فيه ولا مغلوب، مثل: أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، والاتحاد الأوروبي الذي يدعم خطته للحكم الذاتي. وداخل أروقة الأمم المتحدة تغيرت اللغة الأممية؛ حيث أصبحنا نسمع ونقرأ صيغة “الحل السياسي والواقعي والدائم”، أي تبني لغة المقترح المغربي. بل ذهبت أمريكا بعيداً بإعلانها فتح قنصلية في الداخلة، وهي عضو بارز وقوي يملك حق النقض “الفيتو”.

أما إفريقياً وآسيوياً، فدول إفريقية وآسيوية عدة أضحت تتقاطر على العيون والداخلة لفتح قنصلياتها، بحثاً عن فرص اقتصادية واعدة داخل إقليم يزخر بمقومات طبيعية وثروات هائلة، مما يشكِّل اعترافاً فعلياً بالسيادة المغربية.

كل هذه المعطيات تجعلنا نقول إنَّه لا استفتاء ولا انفصال يلوح في الأفق، بل نصر مغربي كاسح وميل واضح نحو الوحدة مع الوطن الأم، المملكة المغربية.

لكن ونحن نقترب من التصويت نهاية أكتوبر داخل أروقة الأمم المتحدة لتثبيت الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية بحكم الواقع والقبول الدولي. وربما لن نتفاجأ إذا صدر قرار أممي صريح يكرّس هذا الوضع أو “يُغلق” ملف الصحراء للأبد، بسبب عوامل أبرزها: الإجماع الدولي حول مقترح المغرب، وضعف الجزائر ومليشيات البوليساريو دبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً، ونجاح المغرب في فرض استقرار ميداني وأمني في الإقليم رغم المخاطر الكبيرة والتقلبات الجيوسياسية. فكثيرون من الباحثين يشيرون لنجاح المغرب في خنق ومحاربة الإرهاب ومحاربة الهجرة السرية نحو أوروبا.

غير أنني كباحث لا أستبعد سيناريوهات أخرى، فالتاريخ علَّمنا أن لا ثوابت في السياسة ولا في المصالح. ومن هذه السيناريوهات: الجمود الإيجابي بحكم تغير الأولويات الدولية وتغير الإرادة السياسية للقوى العظمى. فلا اعتراف رسمي شامل، ولا تصعيد كبير، لكن سيستمر المغرب في إدارة الصحراء فعلياً وترسيخ وجوده، بينما تواصل الأمم المتحدة تمديد مهمة “المينورسو” سنوياً. ويظل النظام في الجزائر في اجترار نفس الأسطوانة، وتظل البوليساريو في عرض خردتها السوفياتية في تندوف رافضة أي حل ينهي جحيم سكان المخيمات، بينما الأمم المتحدة تتجنب الحسم النهائي. لكن الدول الكبرى تتعامل مع الصحراء كمغربية بحكم الأمر الواقع، لبقاء التوازنات السياسية الدولية على ما هي عليه، وتركيز الأمم المتحدة على ملفات أكثر سخونة (أوكرانيا، غزة، منطقة الساحل…). ويُغذِّي هذا السيناريو رغبة القوى الكبرى في تجنب مواجهة علنية بين المغرب والجزائر، مخافة تقاطر ملايين المهاجرين على سواحل أوروبا وظهور جماعات إرهابية تتغذى من الصراع، وهو السيناريو الثاني الذي نطرحه في هذا المقال.

لكن ما هو السيناريو الثالث والأخير؟

هو سيناريو تصعيد جزائري/بوليساريو مؤقت، ثم احتواء سريع. فالجزائر تشعر بفقدان كامل للأوراق والنظام هناك يميل أكثر للعدوانية والحروب. فقد تشجع البوليساريو على زيادة ما تسميه “الأقصاف” لإرباك المشهد قبل أي اعتراف دولي جديد. لكن المغرب الذي أصبح يملك اليد العليا من خلال المسيرات الانتحارية لن يترك الأمر يمر مرور الكرام، بل سيزيد من ضرباته مستغلاً عنصر التفوق الذي أصبح يملكه من خلال المعلومة والسلاح المتطور. فستتدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن لضبط الوضع وتهدئة الأمور، ويعقب ذلك ضغط دولي أكبر على الجزائر للعودة للهدوء. لكن الكلفة العسكرية والسياسية على الجزائر ستكون باهظة وعالية جداً.

إن هذا السيناريو تُغذِّيه أزمة داخلية عميقة للنظام في الجزائر تدفعها لتصدير التوتر نحو المغرب. كما لا ننسى إمكانية التحريض من بعض الدول المناوئة للمغرب (إيران أو جنوب إفريقيا).

في الختام، المغرب اليوم ليس في موقع الدفاع، بل في مرحلة تثبيت النصر السياسي. والأمم المتحدة لم تعد أداة ضغط عليه، بل منصة لإضفاء الشرعية على مقترحه. والجزائر والبوليساريو أمام خيارين فقط: إما الالتحاق بالواقع الجديد، أو البقاء في عزلة لخمسين عاماً أخرى.

* باحث في شؤون المنطقة

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
25 أكتوبر 2025 18:13

سناريو غريب يستبعد كل الخيارات المطروحة اليوم على طاولة الامم المتحدة، واقربها اصرار الولايات المتحدة على انهاء الصراع بصفة نهائية، والاقرار بتنزيل خطة الحكم الداتي.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x