لماذا وإلى أين ؟

أي مخرجات لجلسة مجلس الأمن يوم 30 أكتوبر حول الصحراء المغربية

تدمري عبد الوهاب

تتناسل الروايات والتحليلات حول ملف الصحراء المغربية مع اقتراب يوم 30 أكتوبر الذي سيخصصه مجلس الأمن لمناقشة تطورات هذا الملف وكذا جدوى تمديد بعثة المينورسو بالصحراء من عدمه، في حال التوصل إلى حل مرضٍ لجميع الأطراف. في مقابل هذه التحليلات تتكثف المشاورات واللقاءات التي تقودها البعثات الدبلوماسية للأطراف المعنية مباشرة بالملف وأقصد هنا المغرب بصفته الطرف المدافع على مقترح حل الحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، والجزائر وجبهة البوليساريو بصفتهما مدافعين على مقترح الاستفتاء كآلية لتحقيق حق تقرير المصير الذي لا يؤدي بالضرورة بالنسبة لهما إلى الاستقلال أو بالأحرى الانفصال.

بعيدًا إذن عن ما يتم تداوله من طرف الإعلام الرسمي وبعض الأقلام المحسوبة على كلا الطرفين، والتي تروج لانتصارات مبكرة وذلك بحسمها لهذه القضية لصالح هذا الطرف أو ذاك، يمكن القول إن المعطيات المتوفرة لحد الساعة جد معقدة ولا تؤشر على حسم نهائي لملف الصحراء وفق ما يتطلع إليه الطرفان.

بالرجوع إلى ما تسرب من مشروع القرار الأمريكي الذي قدمته أمريكا للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والذي يقضي بتمديد بعثة المينورسو لثلاثة أو ستة أشهر إضافية، وهو ما ينسجم نسبيًا مع المدة الزمنية التي أعطتها إدارة ترامب التي نصبت نفسها وسيطًا بين المغرب والجزائر لخوض مفاوضات الصلح بينهما والمحددة في ستين يومًا، وهو ما يعني ضمنيًا إعطاء الوقت الكافي لإيجاد صيغة مقبولة من جميع الأطراف لحل النزاع في الصحراء الذي شكل لعقود عامل توتر في علاقة البلدين.

كما أن آلية الاستفتاء كمدخل لتحقيق حق تقرير مصير الصحراء الغربية حسب القرارات الأممية ذات الصلة بالملف والتي كان قد وافق عليها المغرب سنة 1981 إبان حكم الملك الراحل الحسن الثاني، تبين استحالة تطبيقها بعد أكثر من أربعة عقود من موافقة هذا الأخير. وأخص بالذكر كل من القرارين 15/14 و34/37 الصادرين تواليًا في سنوات 1960 و1979، إضافة إلى التحول في مواقف بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وأخص بالذكر فرنسا وبريطانيا وأمريكا اللواتي دعمن مؤخرًا مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 كصيغة لحل دائم للنزاع. كل هذا يبرر إلى حد كبير كذلك حضور المقترح المغربي في مشروع نص القرار الأمريكي الذي يجيب على وضع استعصى حله وفق آلية الاستفتاء كلية لإعمال حق تقرير المصير كما ورد في القرارات الأممية السالفة الذكر.

إني كمتابع لتطورات هذا الملف، فإني أتفهم بعض التحليلات المتفائلة جدًا التي يقدمها بعض الباحثين المغاربة. كما أني أتفهم محاولة الوساطة التي دعت إليها إدارة ترامب بين المغرب والجزائر والمهلة التي أعطتها لهذه الوساطة، التي من خلالها يمكن فهم مقترح تمديد مهام البعثة الأممية بالصحراء المغربية لمدة زمنية معينة.

لكن فقط ما يجعلني أحتاط من كل هذه المعطيات التي تبدو ظاهريًا لصالح المغرب هو التالي:

  • هل يمكن اعتبار قرارات هذه الدول الدائمة العضوية المؤيدة لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء بمثابة اعتراف ضمني منها بسيادة المغرب على صحرائه؟ هذا في الوقت الذي يعتبر الملف وفق القانون الدولي مندرجًا ضمن الملفات التي يتم معالجتها داخل اللجنة الرابعة المعنية بتصفية الاستعمار، وذلك بصفته إقليمًا لا يتمتع بحكم ذاتي وفق القرارات الأممية.
  • وهل هذه الدول مستعدة فعلا لأن تضرب بعرض الحائط كل القرارات الأممية في هذا الشأن؟ علمًا أن هذه الدول لها سوابق في هذا الشأن وتجاوزت القانون الدولي في الكثير من القضايا.
  • كما أن هذه الدول التي تربطها بالمغرب، المدافع على صحرائه، مصالح استراتيجية، فإنها كذلك في نفس الآن تربطها علاقات تاريخية واستراتيجية بالجزائر، البلد المنحاز كليًا إلى جبهة البوليساريو، خاصة في مجالات النفط والغاز والدفاع، وهو ما تم تحديده في اتفاقيات الشراكة الجزائرية الأمريكية التي شملت ما هو أمني وما هو اقتصادي، من ضمنها امتيازات حصلت عليها عشرات الشركات المحسوبة على هذه الأخيرة في التنقيب على الغاز والنفط في السواحل الجزائرية، إضافة إلى عدم رغبة أمريكا في الدفع بالجزائر كليًا إلى الصف الروسي في مرحلة يخاض فيها الصراع الدولي على رقعة شطرنج حسابات الربح والخسارة فيها جد دقيقة.

كل هذا يدفعنا للتريث في إصدار أحكام قد تكون محبطة للشعب المغربي، ويدفعنا بالمقابل لأخذ مواقف هذه الدول بالحيطة اللازمة، لأن هذه الدول عودتنا تاريخيًا بممارستها فن الابتزاز والحفاظ قدر الإمكان ببؤر التوتر، بل وخلقها أحيانًا، إن لم تخرج رابحة إلى أقصى حد من أي مقترح يروم إلى حل النزاع نهائيًا. وكلامي هنا موجه للمغرب والجزائر، البلدين الجارين اللذين تجمعهما علاقات تاريخية واجتماعية. كون الحل الأفضل الذي يسد باب التدخلات الخارجية والابتزاز لكلا الدولتين هو العمل على تصحيح علاقاتهما البينية، والاتفاق على حل يرضي الطرفين ويفتح الباب أمام عقد شراكات اقتصادية وتجارية وأمنية تعود بالمنفعة على الشعبين الشقيقين، وذلك على مبدأ رابح رابح.

علمًا كذلك أن الملف، وفي خضم الصراع الاستراتيجي الحالي بين الغرب والشرق، قد لا يبدو قريبًا للحل، خاصة إذا ما استحضرنا التشبث المستميت الذي تبديه كل من الصين وروسيا العضوين الدائمين في مجلس الأمن، اللذان يتمتعان بحق النقض، على ضرورة احترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وهو ما نستشفه من تصريح وزير خارجية روسيا الذي عبر عن ضرورة إيجاد حل للملف ضمن آليات الأمم المتحدة، وذلك في احترام تام للقرارات الأممية ذات الصلة، دون أن يستبعد إمكانية قبول مقترح الحكم الذاتي كآلية أممية تندرج ضمن حق تقرير المصير إن وافقت عليه جميع الأطراف المعنية.

إن تصريح لافروف يفهم منه أن مقترح الحكم الذاتي لا يعدو أن يكون آلية أممية انتقالية ولا يمكن اعتباره بالمطلق حلًا نهائيًا إلا إذا وافق عليه الجميع، بما فيهم الجزائر والجبهة. كما أن موقف الصين التي تعاني أيضًا من الضغوطات التي تمارسها عليها أمريكا والغرب، وذلك في تجاوز تام للقانون الدولي، لن يكون مخالفًا للموقف الروسي. علمًا أن الدولتين تربطهما علاقات متميزة، تجارية واقتصادية وعسكرية كبيرة بالجزائر، وبدرجة أقل مع المغرب.

خلاصة

على ضوء المعطيات الحالية، فإن جلسة مجلس الأمن ليوم 30 أكتوبر 2025 في شأن ملف الصحراء المغربية مرشحة لثلاثة احتمالات أساسية:

  • الإبقاء على الوضع الحالي مع تمديد بعثة المينورسو لثلاثة أو ستة أشهر إضافية لإعطاء الفرصة لمزيد من المشاورات بين المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو، وهي المدة التي تأخذ بعين الاعتبار مقترح الوساطة الأمريكية الجزائرية.
  • اعتماد مقترح الحكم الذاتي كآلية أممية انتقالية تستجيب لمقتضيات القانون الدولي والقرارات الأممية وتجيب في نفس الآن على تعثر مقترح الاستفتاء الذي تشوبه الكثير من العوائق، مع الإبقاء على البعثة الأممية، وهو المقترح الذي قد لا يوافق عليه المغرب، إلا إذا كانت هناك ضمانات له من الأطراف المعنية الإقليمية والدولية لإجراء استفتاء في وقت لاحق يبقى الصحراء تحت السيادة المغربية، وهو ما سيشكل صيغة مقبولة لإخراج الملف من اللجنة الرابعة ومن حالة الاحتباس التي يشهدها منذ عقود من الزمن، إضافة إلى إعطاء المغرب مهلة كافية لتحسين أدائه السياسي والديمقراطي سواء في جهة الصحراء أو في باقي جهات الوطن.
  • اعتماد مقترح الحكم الذاتي كحل نهائي تحت السيادة المغربية، وهو المقترح الذي يبدو مستعدًا في هذه المرحلة، انطلاقًا مما سبق ذكره من معطيات وما يشهده العالم من تقاطبات حادة، إضافة إلى الرفض الذي قد تبديه كل من الجزائر التي لم تعطي أي إشارات في هذا الاتجاه، وكذا جبهة البوليساريو التي لم تقدم في مقترحها الأخير لمجلس الأمن أي جديد يذكر، إلا ما قدمه من استعداد لهذه الأخيرة لمناقشة إمكانية الاستغلال المشترك للثروات والبنيات التحتية في الأقاليم الصحراوية.

طنجة في 25 أكتوبر 2025

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x