2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
قبل عامين فقط، كان السؤال السياسي السائد في المغرب هو: من سيقود حكومة المونديال؟
في ذلك الوقت، كانت الأنظار متجهة إلى المشاريع الكبرى، والبنيات التحتية، والسباق نحو جاهزية تنظيم كأس العالم 2030، باعتباره التحدي الوطني الأبرز. لكن المشهد تغير اليوم جذريا. فالمشكل لم يعد تقنيا ولا تدبيريا، بل سياسيا بامتياز. والمغرب يبدو في حاجة ماسة إلى حكومة بنفس سياسي قوي، قادرة على توحيد الجبهة الداخلية، وتحصين الشرعية الوطنية في لحظة دقيقة من تاريخ قضية الصحراء المغربية.
الرهان لم يعد على من ينجز الملاعب أو يواكب المشاريع، بل على من سيقود مرحلة “الحكم الذاتي” باعتباره الحل النهائي الذي يوشك أن يترسخ دوليا. فالمؤشرات تتكاثف من واشنطن ونيويورك إلى العواصم الأوروبية والإفريقية، وكلها تصب في اتجاه واحد: دعم متزايد وصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي.
وفي هذا السياق، اكتسب التصريح الأخير لمسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون العربية والإفريقية، أهمية خاصة حين أكد أن سيادة المغرب على الصحراء مسألة غير قابلة للتراجع بالنسبة للإدارة الأمريكية. فالإدارة الأمريكية الحالية، رغم تغير الرؤساء والحساسيات، تبدو ماضية في ترسيخ الموقف الذي أعلن عنه ترامب سنة 2020، ولكن هذه المرة ضمن مقاربة تصالحية تشمل الجزائر.
تصريح بولس هذا الأسبوع لـ”سكاي نيوز عربية” أوضح أن الولايات المتحدة تعمل يوميا مع الرباط والجزائر لإعداد مشروع قرار أممي جديد تحت مظلة الأمم المتحدة، يعزز فكرة التفاوض المباشر على أساس الحكم الذاتي، مع الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والمصالح المشتركة.
هذا المسعى الأميركي لا يهدف فقط إلى دعم الموقف المغربي، بل إلى إعادة ترتيب العلاقة بين الرباط والجزائر ضمن منطق رابح-رابح، يعيد إطلاق فكرة اتحاد مغاربي واقعي، مبني على التعاون الاقتصادي والأمني بدل العداء الإيديولوجي.
ومن المنتظر أن تتضمن توصية مجلس الأمن المقبلة إشارة واضحة إلى ضرورة “حل سياسي واقعي ودائم”، وهي العبارة التي طالما استعملت لتأكيد مركزية مبادرة الحكم الذاتي.
في انتظار خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، يترقب المراقبون أن يتضمن الخطاب معطيات جديدة تتعلق بمرحلة “تنزيل الحكم الذاتي”، ليس فقط على المستوى الدبلوماسي، بل على المستوى الداخلي كذلك: كيف ستُهيكل الجهات الجنوبية مؤسساتيا؟، كيف ستتم مأسسة آليات المشاركة السياسية المحلية؟ وما طبيعة العلاقة الجديدة بين الدولة المركزية والجهات الصحراوية؟.
هذه الأسئلة تعيد الاعتبار للسياسة بمعناها الوطني العميق، أي القدرة على تحويل المكاسب الدبلوماسية إلى واقع مؤسساتي وتنموي يكرس الوحدة ويقوي الانتماء.
من هنا، تبرز الحاجة إلى حكومة ذات نفس سياسي وطني جامع، حكومة تتجاوز منطق التدبير اليومي نحو منطق الدولة الاستراتيجية. حكومة تملك الشرعية الشعبية والرؤية الوحدوية، وتكون قادرة على مخاطبة الداخل والخارج بلغة واحدة: لغة التنمية في الجنوب، لغة السيادة في الشمال ولغة الحوار في الجوار.
إنها حكومة “الحكم الذاتي” بالمعنى الأوسع: حكم ذاتي سياسي داخلي يوحد الصفوف، ويحصن الجبهة الوطنية، ويمنح للدبلوماسية المغربية سندا شعبيا حقيقيا في مواجهة تحديات التفاوض والتواصل الدولي.
المرحلة المقبلة ليست مرحلة مشاريع إسمنتية، بل مرحلة هندسة سياسية. والمغرب، في ضوء التحولات الدولية والدعم الأمريكي المتجدد، يقف على أعتاب لحظة تاريخية شبيهة بتلك التي سبقت المسيرة الخضراء. الفرق أن التحدي اليوم ليس تحرير الأرض، بل تثبيت السيادة عبر مشروع سياسي داخلي متماسك، يقوده رجال دولة، لا مجرد مسيرين للمشاريع.