لماذا وإلى أين ؟

“الحكم الذاتي” ليس عرضا للأبد

نورالدين زاوش*

ما يقع بين المغرب والجزائر شبيه إلى حد بعيد بأطوار الفيلم الأمريكي المثير « Next » لبطله الشهير “نيكولا كيج”، حيث يتمتع البطل بموهبة رؤية دقيقتين من المستقبل، مما يجعله يسبق الجميع في اتخاذ القرارات بخطوات؛ إلا ان الفرق الوحيد في حالة المغرب، أنه يسبق عصابة العسكر بعقدين كاملين أو أكثر، ولا ضير في ذلك، مادامت الإمبراطورية المغربية الشريقة قد سبق تواجدها تواجد حظيرة الجزائر ببضعة قرون أو أكثر.

بعدما قبِل المغرب إجراء الاستفتاء سنة 1981م كان البوليساريو مازال يؤمن بالحل العسكري، واستمر على ذلك النحو عشر سنوات، منتشيا أنذاك بتأييد نصف الكرة الأرضية له، ولم يفطن إلى فشل أطروحة السلاح في استرجاع الأراضي “المحتلة”، حسب زعمه، إلا في 6 شتنبر 1991م، حيث وقّع مع الأمم المتحدة معاهدة وقف إطلاق النار، ومن يومها بدأ اشتغال بعثة “المينورسو”، التي تشرف على مراقبة وقف إطلاق النار، كما أنها تسهر على تنظيم الاستفتاء.

بعد مُضيِّ عقد ونصف من انطلاق إجراءات تنظيم الاستفتاء، فطِن المغرب إلى أن هذه المبادرة لا تُفضي إلا إلى إدامة النزاع المفتعل، مادامت المعايير التي تعتمدها “البوليساريو” ليست فقط معايير مزدوجة؛ بل أيضا معايير قابلة للتعديل والتصويب كلما دعت الحاجة إلى ذلك، مما يجعل اعتماد حل الاستفتاء في فض النزاع ضربا من ضروب الخيال؛ الأمر الذي دعا المغرب لاقتراح حل “الحكم الذاتي” في الأمم المتحدة سنة 2007م.

من يومها وعصابة الجزائر تتلكأ في التعامل مع المبادرة المغربية، والتي وصفتها الأمم المتحدة بالواقعية والجادة والقابلة للتطبيق، مما حذا بالتفاف المجتمع الدولي حولها، وعلى رأسها الولايات المتحد الأمريكية وفرنسا وبريطانيا؛ وأكثر من ذلك، فقد صرح “لافروف” وزير خارجية روسيا ولأول مرة، بأن “الحكم الذاتي” شكل من أشكال تقرير المصير في سابقة من نوعها.

للأسف الشديد، لم تفطن عصابة الجزائر إلى ضرورة تطبيق “الحكم الذاتي” إلا سنة 2025م، أي بعد ثماني عشرة سنة بالتمام والكمال، بعدما قُتل “القذافي” في مجاري المياه، وهلك المقبور “جمال عبد الناصر”، وسقط الاتحاد السوفياتي، وجعلت الصين الاقتصاد أولوية على السياسة، وانكبت دول أمريكا اللاتينية على مشاكلها الداخلية، واعترفت فرنسا وإسبانيا بمغربية الصحراء، وتجندت أمريكا لإغلاق الملف للابد، وما يفصلنا عن القرار الأممي القنبلة إلا أيام معدودة، حيث لم يعد المجتمع الدولي يطيق أن يستمر الملف تحت البند السادس.

أعتقد أن في 30 أكتوبر الجاري، سيجتمع المجتمع الدولي في الأمم المتحدة ليعطي إشارة دق آخر مسمار في نعش عصابة الجزائر وصنيعتها، وبعدها بأيام قليلة سيزور جلالة الملك، حفظه الله وشافاه، مدينة “العيون” المباركة للاحتفال بالنصر العظيم والفتح المبين، وسيتزامن ذلك، إن شاء الله، مع إصدار العفو عن “ناصر الزفزافي” لتكتمل الفرحة وتعم البهجة؛ وما على عسكر المرادية أن تعرفه جيدا، هو أن اقتراح “الحكم الذاتي” ليس عرضا للأبد، وأن آجال انتهاء هذا العرض أوشكت على النفاد.

*رئيس جمعية المعرفة أولا

الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
عادل
المعلق(ة)
30 أكتوبر 2025 01:49

أنتم اعطيتم للجزاءر اكبر من حجمها الأرض مغربية ومن سولت له نفسه الاقتراب اصبح دمه مباح دعبت الروح وبقي الجسد

عبد الرحمن
المعلق(ة)
30 أكتوبر 2025 01:33

لأول مرة أتفق مع صاحب المقال، لأن المغرب دائما كان يقدم عرضا ولكن الطرف الآخر بسبب غبائه يرفضه، فيستغل المغرب الظروف ليقدم عرضا أقل من الأول 😆

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x