لماذا وإلى أين ؟

تسقيف سن التعليم… جدل نقابي وتخوفات من احتقان جديد

اتجهت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إلى تسقيف سن الولوج إلى مهنة التدريس في 35 سنة، وذلك في إعلانها الرسمي عن مباريات ولوج سلك تأهيل أطر التدريس بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، المقرر تنظيمها يوم السبت 22 نونبر 2025.

ويأتي هذا القرار بعد جدل واسع وانتظار طويل داخل الأوساط التعليمية والجامعية، حيث استجابت الوزارة جزئيا للمطالب الداعية إلى رفع السن من 30 إلى 45 سنة، باعتماد سقف 35 سنة كحد أقصى، في خطوة تعكس تفاعلا محدودا مع النداءات النقابية والطلابية الرامية إلى توسيع قاعدة المترشحين لمهنة التعليم.

في هذا السياق، قال يوسف علاكوش، الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، إن قرار تحديد سن الولوج إلى مهنة التعليم في 35 سنة “لا يقوم على أي أساس علمي أو مرجعية موضوعية واضحة”.

وأوضح علاكوش في تصريح لجريدة “آشكاين” أن هذه القرارات “لا يجب أن تُبنى على اعتبارات عمرية جامدة، بل على الكفاءة الفعلية، والتكوين، والقدرة الذهنية والبدنية على أداء رسالة التعليم”.

وشدد النقابي على أن “القدرة على مزاولة مهنة التدريس يتم التأكد منها عمليا عبر اختبارات الانتقاء والفحوص الطبية والتقييمات العلمية والتكوينية، وهي كفيلة بتحديد مدى أهلية المترشح، دون حاجة إلى وضع قيود عمرية”.

المتحدث قال إن “جودة الأستاذ لا تُقاس بعدد سنوات عمره، بل بمدى فعاليته في القسم، واستيعابه لرسالة التعليم، التي تظل في جوهرها رسالة تربوية وإنسانية قبل أن تكون وظيفة إدارية”.

وأكد المتحدث أن “معيار السن لا يجب أن يكون هو الفيصل في تحديد من يحق له ولوج المهنة، لأن تحديده في 30 أو 35 سنة ليس مبنيا على دراسة أو تقييم علمي يثبت أن من تجاوز هذا السن لا يصلح للتدريس”، مشيرا إلى أن هناك من تم توظيفهم في عهد الحكومة السابقة وهم في الخمسين من عمرهم بترخيص استثنائي من رئيس الحكومة، ونجحوا في أداء مهامهم بكفاءة، غير أنهم اليوم يعانون من ضعف معاشاتهم بسبب قصر مدة اشتغالهم قبل التقاعد”.

واعتبر علاكوش أن “الإشكال الحقيقي لا يكمن في السن، بل في توفر الشروط التربوية والقدرات النفسية والعقلية والبدنية اللازمة لممارسة المهنة، مبرزا أن النقاش حول تسقيف السن يجب أن يفتح الباب أمام مراجعة شاملة لمنظومة التوظيف في التعليم، من حيث تكوين الأساتذة، وتأطيرهم، وتحسين أوضاعهم المهنية والاجتماعية”.

في المقابل قال عبد الإله دحمان، الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، إن موقف النقابته من قضية تسقيف سن التوظيف في قطاع التربية الوطنية “مبدئي وثابت، ولا يخضع لتغير الاجتهادات أو الضغوط الاجتماعية”.

وأكد دحمان في حديث لجريدة “آشكاين” أن السن القانوني للولوج إلى الوظيفة العمومية يجب أن يستند إلى مقتضيات الدستور والقوانين الجاري بها العمل، التي تحدد السقف في 45 سنة، وهو ما لم يتم نسخه أو تعديله إلى حدود الساعة”.

وأوضح النقابي أن قرار وزارة التربية الوطنية بتحديد السن في 35 سنة “لا يقدم حلا حقيقيا لمعضلة التوظيف في القطاع، بل يُبقي على الطابع الإقصائي والمعيار التمييزي تجاه فئات واسعة من الشباب الحاصلين على الشهادات الجامعية والعليا”.

وشدد المتحدث على أن “خفض السن أو رفعه بشكل ظرفي لن يساهم في معالجة الإشكال البنيوي المرتبط بسياسة التوظيف الحكومية”. كما أشار إلى أن “التجارب السابقة أبانت عن إمكانية توظيف كفاءات تجاوزت الأربعين سنة بترخيص استثنائي من رئيس الحكومة أو الوزير الأول، ما يثبت أن الكفاءة يجب أن تكون هي المعيار الأساس، لا السن”.

وطالب النقابي “الحكومة بالانضباط للمقتضيات القانونية والدستورية التي تكرس مبدأ الاستحقاق والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين”. فيما شدد على أن النقاش حول تسقيف السن “ينبغي ألا يُخفي الإشكال الأعمق في المنظومة التربوية”، والمتمثل في ضعف جودة التكوين الأساسي والمستمر للأساتذة”.

وشدد المصدر ذاته على أن الرهان الحقيقي هو “تجويد التكوين الجامعي والبيداغوجي، وتطوير الأساليب والمرجعيات المعتمدة بما يواكب التحولات التكنولوجية والتربوية الحديثة، بدل الاكتفاء بإجراءات شكلية كتغيير سن الولوج”.

واعتبر الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم أن هذا القرار “من شأنه أن يفاقم حالة الاحتقان في صفوف الشباب، خصوصا أولئك الذين تجاوزوا السن المحدد بعام أو عامين فقط، بعدما رفع القرار الحكومي الأخير سقف انتظاراتهم وأحيا آمالهم في ولوج المهنة، ليُفاجَؤوا اليوم بعودة معيار السنّ كشرط إقصائي”.

وختم دحمان حديثه بالتأكيد على أن النقابة “تدعو وزارة التربية الوطنية إلى مراجعة هذا القرار والالتزام بالقانون والدستور، وجعل معيار الكفاءة هو الأساس في الولوج إلى مهنة التعليم، باعتبارها رسالة وطنية ومجتمعية، لا مجرد وظيفة يُقصى منها الآلاف دون مبرر موضوعي”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x