2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
وجه الملك محمد السادس دعوة صريحة لإعادة إحياء الاتحاد المغاربي. جاءت هذه الدعوة في سياق حرص المغرب على فتح صفحة جديدة من العلاقات الأخوية والمسؤولة مع الشركاء المغاربيين، مع التأكيد على أن استقرار المنطقة وتقدمها مرتبط بالعمل المشترك والحوار البناء بين جميع الأطراف.
وأطلق الملك هذه الدعوة في خطاب ملكي بعد تصويت مجلس الأمن الدولي على القرار الأممي حول المقترح المغربي للحكم الذاتي وتمديد بعثة المينورسو، في لحظة سياسية حساسة أعقبت مناقشات دولية مكثفة حول السيادة المغربية على الأراضي الصحراوية.
أثارت المبادرة نقاشا متجددا حول إمكانية إحياء الاتحاد المغاربي، الذي شهد سنوات من الجمود والتحديات السياسية، بما يجعلها فرصة لإعادة التفكير في آليات التعاون المشترك وتقوية الروابط بين الدول المغاربية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الباحث في العلوم السياسية أشرف بولمقوس يرى أن “المغرب يتجه بالفعل نحو إعادة إحياء الاتحاد المغاربي”، مشيرا إلى أن “المغرب ظل على مدى سنوات متشبثا” بهذا الاتحاد.
وقال بولمقوس في حديث لجريدة “آشكاين” أن المغرب لطالما كان “داعيا في كل مناسبة، خصوصاً من خلال الخطب الملكية، إلى إعادة إحيائه، كما اعتبر المغرب هذا الاتحاد مرجعاً أساسياً لإمكانية حل مجموعة من الإشكالات الإقليمية”.
وأضاف الباحث في قضايا المغرب الكبير أن “الجمود الذي شهدته مسيرة الاتحاد المغاربي على مدى السنوات الماضية كان نتيجة مجموعة من الأسباب المتشابكة، التي تشمل الأزمات المتعددة والتحديات السياسية والجيوسياسية في المنطقة”.
وذكر المتحدث أن “الوضع المتذبذب في العلاقات بين المغرب وتونس، والأزمات المتكررة مع ليبيا، وصولا إلى التوترات العميقة مع الجزائر، بما في ذلك سحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية في بعض المناسبات، وهي ممارسات كان لها تأثير كبير على مسار الاتحاد”.
وأشار المصدر إلى أن “المشكل الأساسي الذي أدى إلى الجمود هو نزاع الصحراء”، حيث يرى أن الاتحاد المغاربي “رهين بحل هذا الملف، بحيث يكون الحل نابعا من حسن نية ويصاحبه إعادة فتح الحدود، وتحسين الأجواء الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، على الأقل إلى حدود وضعها الطبيعي”.
وشدد الباحث على أن “المغرب يفهم أن حل مشكل الصحراء يشكل العمود الفقري لإعادة بناء الاتحاد، لذلك ركزت جهوده، منذ سنوات، على معالجة هذا الملف كخطوة أولى وأساسية لتحريك الجمود الذي يعاني منه الاتحاد”.
وزاد المصدر بالقول أن “إعادة إحياء الاتحاد لن يتم فقط عبر الدبلوماسية الرسمية، بل من خلال مساهمة المجتمع المدني، والأحزاب، وكافة الفاعلين المغاربة، إذ أن كل مغربي يمكن أن يلعب دورا في هذا المسار الحيوي”.
وعن المصلحة الدولية، أشار بولقوس إلى أن “هناك مجموعة من الدول الكبرى التي ترى في حل هذه الأزمة فرصة لتعزيز مصالحها في المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، حيث بدأت هذه الدول تسعى إلى معالجة النزاع المستمر منذ عقود، لما له من انعكاسات استراتيجية في شمال إفريقيا”.

وأكد المصدر أن “الاتحاد المغاربي يشكل شريطا حيويا في شمال إفريقيا لمعالجة قضايا مثل الهجرة، ومكافحة الإرهاب، والتحديات الإنسانية، لذلك تولي له الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا وإسبانيا، اهتماما خاصا نظرا لشراكاتها مع دول المنطقة والبحر الأبيض المتوسط”.
أما على المستوى الإقليمي، فالمستفيد الأول من إعادة تحريك الجمود داخل الاتحاد حسب الباحث “هم الدول المغاربية نفسها، حيث يمكن أن يصبح الاتحاد مرجعا لحل الأزمات الإقليمية، بما فيها الأزمة الليبية، واستقرار تونس، وتحسين الأوضاع بين المغرب والجزائر، إضافة إلى استفادة موريتانيا من استقرار العلاقات المغاربية”.
وصرح الباحث أن “المغرب والجزائر على رأس المستفيدين، نظرا لما يتكبده شعبا الدولتين يوميا من آثار توتر العلاقات، سواء على المستوى التنموي أو على مستوى الشراكات الاقتصادية والاجتماعية”.
تأسس الاتحاد المغاربي رسمياً في 17 فبراير 1989 بمدينة مراكش بمبادرة من الدول المغاربية الخمس المغرب الجزائر تونس ليبيا وموريتانيا. وقد جاء تأسيسه على خلفية رغبة هذه الدول في تعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين شعوب المنطقة.
وقد نصت الاتفاقية التأسيسية على مجموعة من الأهداف الأساسية، منها إقامة سوق مشتركة مغاربية، تنسيق السياسات الاقتصادية، تبادل الخبرات والتجارب التنموية، وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي.
لكن، رغم الطموحات الكبيرة التي صاحبت تأسيس الاتحاد، واجه على مدى العقود الماضية تحديات كبيرة بسبب النزاعات الإقليمية والأزمات السياسية. مما أدى إلى تجمد نشاطه في فترات متعددة، إلا أنه يظل مرجعا أساسيا لإعادة البناء والتكامل المغاربي وتحقيق وحدة المغرب الكبير.