لماذا وإلى أين ؟

الطاوجني: لا معنى لمحاسبة المنتخبين “الفاسدين” دون استرجاع المال العام

كشفت وزارة الداخلية في تقريرها السنوي لسنة 2025 عن تلقي المديرية العامة للجماعات الترابية ما مجموعه 291 شكاية من مواطنين وأعضاء مجالس وجمعيات مدنية، تتعلق بقضايا الحكامة والتعمير وتضارب المصالح.

وأوضح التقرير أن عدد المتابعات القضائية التي طالت المنتخبين بلغ 302 متابعة، من بينها 52 في حق رؤساء جماعات و57 ضد نوابهم، إضافة إلى 124 متابعة لأعضاء مجالس و69 لرؤساء سابقين، مع تسجيل 26 حالة فقدان للأهلية الانتخابية و289 استقالة، فضلاً عن وفاة 128 منتخباً خلال السنة نفسها.

في هذا السياق، قال سعد الطاوجني، الكاتب العام لمنظمة ترانسبارانسي المغرب، إن جوهر الإشكال في تدبير الشأن المحلي لا يتعلق بعدد المتابعات القضائية المسجلة ضد المنتخبين، بل بغياب الشفافية في تتبع مصير الأموال العمومية المختلسة وغياب مساطر فعالة لاسترجاعها.

وأوضح طاوجني في تصريح لجريدة “آشكاين” أن “الاقتصار على إعلان المتابعات دون تقديم معطيات واضحة للرأي العام حول حجم الأموال المسلوبة، والمسارات القانونية لاستعادتها، يجعل هذه الإجراءات ناقصة وغير كفيلة ببناء الثقة بين المواطن والمؤسسات”.

وأضاف المتحدث أن “الهدف من المحاسبة يجب ألا يكون فقط الزجر أو المعاقبة، بل إعادة الاعتبار للمال العام واسترجاع ما سُلب منه، لأن المحاسبة الحقيقية هي التي تكشف أين ذهبت الأموال، ومن نهبها، وكيف يمكن استعادتها”.

وأشار المصدر إلى أن “بعض الجماعات الترابية الصغيرة تمثل اليوم نقطة ضعف في منظومة الحكامة المحلية، إذ تُمرر داخلها مشاريع غامضة المعالم إلى شركات أو مقاولات تربطها علاقات شخصية أو مصلحية برؤساء الجماعات أو نوابهم، في غياب آليات رقابية حقيقية أو مواكبة مالية مستقلة”.

وأضاف المتحدث أن “هذا النوع من التدبير يخلق بيئة خصبة للفساد والزبونية، ويُسهم في تبديد المال العام دون أثر تنموي ملموس، بخلاف المشاريع الكبرى مثل الطرق الوطنية والطرق السيارة التي تمر غالبا عبر مساطر واضحة وتحت مراقبة مؤسساتية دقيقة”.

وشدد الطاوجني على أن “الإصلاح الحقيقي يبدأ من المستوى المحلي، من خلال الشفافية في الصفقات العمومية، وإشراك المجتمع المدني في المراقبة، ونشر المعطيات المتعلقة بالمشاريع والمبالغ المخصصة لها”.

وفي السياق ذاته، انتقد الكاتب العام لترانسرانسي “أحكام المادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية، التي تنص على أنه لا يمكن إجراء الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشيات العامة أو الهيئات الرسمية المخولة قانونا”.

واعتبر أن هذه المادة “تضيق الخناق على المجتمع المدني وتفرغ آليات الرقابة المواطِنة من مضمونها، لأنها تمنع الجمعيات والمنظمات المستقلة من التقدم بشكايات في قضايا الفساد ونهب المال العام”.

وشدد المصدر على أن “ترسيخ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة يتطلب إرادة سياسية وتشريعية حقيقية، تُعيد النظر في الإطار القانوني المنظم لمحاربة الفساد، وتمنح للمجتمع المدني والجمعيات المتخصصة حق التقصي والتتبع والمساءلة”.

في سياق متصل دعا المتحدث إلى “إصلاح شامل لنظام الصفقات العمومية، وإلزام الجماعات الترابية بنشر تفاصيل المشاريع الممولة من المال العام، مع تمكين المواطنين من الولوج إلى المعلومات المرتبطة بها”.

وحسب الطاوجني فإن “محاربة الفساد ليست معركة قانونية فقط، بل هي معركة ثقافية ومجتمعية قبل كل شيء، والمجتمع المدني والإعلام لهما دور أساسي لتعزيز الشفافية، لأن الاقتصار على متابعة بعض المسؤولين لا يكفي ما لم تُسترجع الأموال المنهوبة ويُحاسب كل من تورط في المساس بالمال العام”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Dghoghi
المعلق(ة)
4 نوفمبر 2025 19:49

نعم يجب مصادرة الاموال المنهوبة وممتلكاتهم. الى تلى الخزينة ومنعهم من مزاولة اي نشاط سياسي.. الى الى الابد..

إسماعيل علوي مولي احمد
المعلق(ة)
4 نوفمبر 2025 17:25

ما قاله السيد الطاوجني هو صرخة في وادٍ يردّدها الضمير الوطني منذ عقود:
لا جدوى من محاسبة بلا استرجاع، ولا معنى لعدالة تُدين الأسماء وتُبقي على الغنائم.
فالمال العام حين يُنهب، لا يكفي أن نحزن عليه، بل يجب أن نعيده إلى الشعب، درهمًا بدرهم، لأن العدالة الناقصة كالجسد بلا روح.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x