2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
عبد الحميد البجوقي
هل بلغ بنا الانحدار السياسي حدّ تحويل دبلوماسية الصحراء المغربية إلى جلسة “بيصارة” على موائد النفاق الشعبوي؟
هل أصبح الدفاع عن الوحدة الترابية يُقاس بعدد الملاعق التي غمسها سفير البراغواي في قِدْر الفول؟ مهزلة.
لقد تحوّل بعض برلمانيينا – أو من يفترض أنهم “نخب” تمثل الأمة – إلى مُهرّجين في سوق السياسة، يخلطون بين المواقف الوطنية الجادة وبين حكايات المقاهي التي تُروى على سبيل التسلية.
قضية الصحراء، التي سقط فيها الشهداء من جنودنا، ودفعت فيها البلاد من رصيدها المالي والدبلوماسي والسياسي ما لا يُقدّر بثمن، تختزل اليوم في “دعوة غداء” أو “صحن فول” يقدم للضيف الأجنبي كأنما انتصرنا دبلوماسياً بملعقة وقطعة خبز!
أي انحدار هذا؟
وأي فقر في الخيال والفكر يجعل ممثلاً للأمة يظن أن مغربية الصحراء تُكرّس في بطون السفراء لا في عقولهم وضمائرهم وسياسات البلدان التي يمثلونها؟
لقد أصبح بعض السياسيين يتعاملون مع الخطاب الوطني كما يتعامل صاحب “طاجين” مع التوابل: يضيف قليلاً من الوطنية، قليلاً من النكتة، كثيراً من الجهل، ثم يقدمه على أنه “إنجاز دبلوماسي”.
لكن الواقع مرّ.
ما هكذا تُصان الأوطان، ولا هكذا تُخاطَب الأمم.
إن قضية الصحراء ليست موضوع نكتة أو حكاية تُروى في البرلمان لاستدرار التصفيق.
هي قضية مصيرية تتطلب حكمة، وعمق رؤية، ووزناً في القول والفعل.
وحين يُختزل الدفاع عنها في “البيصارة”، فنحن أمام كارثة رمزية أكبر من مجرد زلة لسان؛ نحن أمام سقوط مدوٍّ لقيم المسؤولية، واستهتار بتاريخ من التضحيات.
ألا يدرك هؤلاء أن خطابهم يسيء أكثر مما ينفع؟ حتما لا يدركون.
أنّ الأمم لا تُقنع بالدبلوماسية الفولية، بل بالحجة، والجدية، والاحترام؟
هل هكذا نُخاطب العالم؟ بحديث المائدة بدل منطق الدولة؟
يا سادة، القضايا الوطنية لا تُصان بالشعبوية، بل بالعقل.
والوطن لا يُدافع عنه بالضجيج، بل بالفعل الراسخ والموقف الرصين.
لقد تعب الوطن من الصراخ الفارغ، ومن بؤساء السياسة الذين يحسبون الوطنية “وجبة يومية” تُقدّم أمام الكاميرات.
كفى عبثاً.
مغربية الصحراء لا تُختصر في “البيصارة” ولا في تصريحات البؤساء من البرلمانيين الباحثين عن الشهرة.
هي دماء جنود، وجهود ملوك، وصبر شعب، ومسار دولة كاملة تواجه العالم بثقة وكرامة.
وما أحوجنا اليوم إلى نُخب تليق بحجم الوطن، لا إلى مهرّجين يختزلون الدبلوماسية في طبق فول وابتسامة مصطنعة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.
