لماذا وإلى أين ؟

العجلاوي: ما العلاقة بين المغرب وقرار الجمعية العامة 1541؟

يُثار كثيرًا القرار 1514، ونادرًا القرار 1541 المرتبط به، حين التطرق إلى النزاع الإقليمي حول الصحراء. ويتم توظيف القرارين من لدن خصوم المغرب في إطار تعتيم إعلامي يُراد به إلباس القرارين ما لا طاقة لهما به، بيد أن ما لا يعرفه البعض أن المغرب انتُخب عضوًا في اللجنة المكونة من ست دول، وفق قرار الجمعية العامة رقم 1467، والتي صاغت مضمون مشروعي القرارين بناءً على توصيات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بغية إصدار قرار يكون مرجعًا للأمم المتحدة في قضايا تقرير المصير وتصفية الاستعمار.

يتساءل الكثير عن مكونات الهوية وآليات الفعل الدبلوماسي المغربي المستند إلى وجود الدولة والمؤسسات عبر قرون عدة، والمستمرة الآن من خلال المبادئ المؤسسة للمواقف والعلاقات مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية.

ويتساءل الكثير كذلك كيف استطاع المغرب تدبير الموقف الوطني تجاه نزاع الصحراء الإقليمي، وتجاه نظام حاضن للانفصال والارتزاق، تتعدد واجهاته المتحورة العدائية نحو المغرب كلما طُرِحت مشروعية وهوية الدولة لديه. عندما يتشبث المغرب بالحل السياسي وبمبادئ الأمم المتحدة، وعندما قدّم مبادرة الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء الإقليمي، فذلك لأنه دولة تُحيل إلى القيم الحضارية للدولة المغربية، وإلى مبادئ وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بتقرير المصير، وإلى مساهماته في صياغة مضمون قراري 1514 و 1541.

قد لا يعرف البعض أيضًا أن المغرب كان عضوًا فاعلًا في لجنة الستة التي اقترحت على الجمعية العامة مضمون قراري 1514 و 1541، بل إن الوثائق التي كشفت عنها الأمم المتحدة مؤخرًا في موقعها الإلكتروني تكشف بشكل جلي أن القرار 1541 تبنّى المقترحات المغربية التي قُدِّمَت من لدن الحكومة المغربية إلى الأمين العام يوم 14 ماي 1960، إضافة إلى دور ومساهمات المغرب في جلسات اللجنة من خلال مقترحات المهدي بنعبود، سفير المغرب في الأمم المتحدة، وعضو لجنة الستة. في هذا المقال، ومن خلال وثائق الأمم المتحدة، سنقدم معطيات عن الدور الذي لعبه المغرب في معركة تحرير الشعوب المستعمرة ودوره في صياغة مضمون قراري 1514 و 1541.

قرار الجمعية العامة 1467 (الدورة 15)
ينص قرار الجمعية العامة 1467، المصادَق عليه يوم 12 ديسمبر 1959، على ما يلي:

تبني الجمعية العامة للمبادئ التي ستؤطّر الدول الأعضاء فيما يخص إجبارية إرسال معلومات حول الأقاليم التي لا تتمتع بحكم ذاتي، كما هو مبين في المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة.

تكوين لجنة خاصة مكونة من 6 دول، مُنتخَبة باسم الجمعية العامة، من لدن اللجنة الرابعة.

يطلب القرار 1467 من الأمين العام وضع مقترحات الدول الأعضاء والوثائق القانونية رهن إشارة لجنة الستة، للتمكن من تفسير ميثاق الأمم المتحدة.

يطلب القرار من الدول الأعضاء إمداد الأمين العام كتابة، وقبل 1 ماي 1960، بوجهات نظرهم حول هذا المبدأ، لكي تتمكن لجنة الستة من أخذ ذلك بعين الاعتبار.

ويُخبر الأمين العام للأمم المتحدة في مراسلته بالدول التي تم انتخابها في لجنة الستة، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، هولندا، المملكة المتحدة، الهند، المغرب والمكسيك. وأُسنِدت رئاسة اللجنة للهند.

تم انتخاب المغرب عضوًا في لجنة الستة في سياق توالي تصفية الاستعمار في مناطق عدة من العالم، خاصة في القارة الإفريقية، وكان المغرب صوت إفريقيا داخل اللجنة، وفي مؤسسات الأمم المتحدة من أجل نصرة القضايا الإفريقية نحو الاستقلال والتحرر. ولذلك كان المغرب قبلة حركات التحرر الوطنية، خاصة حركات شعوب جنوب القارة، ومنها جنوب إفريقيا وناميبيا وزيمبابوي، وحركات التحرير في المستعمرات البرتغالية في الموزمبيق وأنغولا وغينيا بيساو. كما وضع المغرب قواعد رهن إشارة جبهة التحرير الوطني الجزائرية، ودعمها داخل الأمم المتحدة، كما تشهد بذلك وثائق الأمم المتحدة، خاصة في اجتماعات اللجنة الرابعة حيث كان صوت المغرب منتصرًا للقضية الجزائرية إلى جانب دول عربية كمصر والعراق.

مقترحات المغرب بخصوص تصفية الاستعمار
ساهم المغرب بمقترحات مرتبطة بالقرار 1467، إذ تلقى الأمين العام للأمم المتحدة رسالة مؤرخة في 14 ماي 1960 من مصطفى العلمي، القائم بأعمال بعثة المغرب في الأمم المتحدة، وتضمنت خمسة مبادئ تعكس وجهة نظر المغرب في قضايا تقرير المصير وتصفية الاستعمار، نجدها كاملة في القرار 1541 المؤطِّر للقرار 1514. وأكدت الاقتراحات المغربية على مفهوم الاستعمار وتقرير المصير ونقل المعلومات بشأن المناطق المستعمَرة.

وتمحور الرد المغربي على المبادئ التالية:

ضرورة نشر معلومات حول أي إقليم لا يسير السكان أنفسهم بأنفسهم ولا يتمتعون بسيادتهم الوطنية.

اعتبار كل إقليم غير مستقل ويدخل في إطار الفصل 11 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي يجب نشر المعلومات حوله وفق المادة 73، وهي: أ. كل إقليم يختلف سكانه جليًا على المستوى الإثني والجغرافي والتاريخي والثقافي والاجتماعي مقارنة مع السلطة الاستعمارية. ب. كل إقليم حيث تضع العلاقات الاقتصادية أو الإدارية أو القانونية بشكل تعسفي سكان الإقليم في وضعية دونية.

تعتبر قوة استعمارية أو إدارية الدول التي تدير، خارج ترابها المركزي، سكان إقليم يختلفون عن سكان التراب المركزي وفق ما ورد في النقطة الثانية.

يُلزَم نشر المعلومات من لدن الدولة المستعمِرة طالما لم يعبر السكان المعنيون وبكل حرية عن رأيهم في الوضع القانوني النهائي لنظام حكمهم.

يجب أن تُجرَى الاستشارة بإشراف الأمم المتحدة وفق الفصل 11 والمادة 73.

القرار 1541 ومقترحات المغرب بشأن مبادئ تصفية الاستعمار
هذه المقترحات الواردة في رسالة 14 ماي 1960 سنجدها متضمنة في القرار 1541. والمقترحات المغربية انطلقت من التجربة المغربية ومبدأ الوحدة الترابية والوطنية المغربية تجاه الأجزاء التي ما زالت حينها تحت الاحتلال الإسباني، وهي الصحراء وإفني وسبتة ومليلية، ومن وضع القضية الجزائرية، حيث أصرّت فرنسا على اعتبار الجزائر مقاطعة فرنسية، وأيضًا من وضع عدد من شعوب القارة التي كانت تقاوم من أجل استقلالها.

وهذه السياقات أيضًا هي التي تفسر انعقاد مؤتمر الدار البيضاء، وخطاب محمد الخامس في هذه القمة وبيانها العام يُحيلان كثيرًا إلى المقترحات المغربية إلى الأمين العام بخصوص تدبير الفصل 11 والمادة 73.

المغرب العضو الإفريقي والعربي الوحيد في لجنة الستة التي صاغت مضمون مشروعي قراري 1514 و 1541 (1960)
تمحورت مهمة لجنة الستة على دراسة المبادئ التي تؤطِّر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتحديد تطبيقات المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة، المتعلقة بمسؤولية الدول المستعمِرة في تقديم معلومات عن الأقاليم التي تسيطر عليها.

تكلَّف إدريس المحمدي، وزير الخارجية في حكومة الملك محمد الخامس، بإبلاغ الأمين العام أسماء ممثلي المغرب في لجنة الستة من خلال رسالة مؤرخة في 15 غشت 1960، ووُضِع لها في أرشيف وزارة الخارجية حينها إحالة رقم M/A/E1801- 9. تكونت لائحة ممثلي المغرب في هذه اللجنة الأممية من السفير المهدي بن عبود، ممثل المغرب في الأمم المتحدة، والداي ولد سيدي بابا، مستشار في وزارة الخارجية، وعلي الصقلي، مدير بوزارة الخارجية، ومحمد الورزازي، عضو بعثة المغرب في الأمم المتحدة. ويحتوي أرشيف الأمم المتحدة على رسائل ومستندات لعمل المغرب داخل لجنة الستة، منها محضر تحت رقم A/4526. استمرت مداولات لجنة الستة في 14 جلسة، امتدت من 2 إلى 22 شتنبر 1960. كما أضاف ممثل المغرب في اللجنة، المهدي بن عبود، ملاحظات إضافية حول الموضوع، إضافة إلى ما جاء في مراسلة القائم بأعمال بعثة المغرب في الأمم المتحدة المؤرخة في 14 ماي 1960. وضم تقرير لجنة الستة مدخلًا واعتبارات عامة والمبادئ التي اقترحتها على الجمعية العامة، وحددتها في 12 مبدأ. ومقارنة بما تضمنته مراسلة المغرب للأمين العام حول الموضوع، ومناقشات الوفد المغربي داخل اللجنة، والتقرير المقدم إلى الجمعية العامة، ومضمون القرار 1541، سنلاحظ دون عناء، بصمة المساهمة المغربية في القرار 1541، المؤطِّر للقرار 1514، وهما قراران صادران عن الجمعية العامة يومي 14 و 15 دجنبر 1960.

التأثير المغربي في القرارين نابع أيضًا من هم استعادة وحدة التراب، كما كان يقول الملك محمد الخامس في خطبه: “تراب واحد سيادة واحدة”. وتُحيل أيضًا بصمة المغرب في القرارين إلى دوره في القارة الإفريقية دفاعًا عن قضايا الشعوب التي كانت تئن تحت ضغط الاستعمار، وعلى رأسها قضية الشعب الجزائري، التي احتلت أولويات العمل الدبلوماسي في اللجنة الرابعة وفي لجنة الستة.

الجمعية العامة تتبنى تقرير لجنة الستة
في الدورة 15 للجمعية العامة (1960) تبنّت الجمعية العامة التقرير الذي قدمته لجنة الستة مع تعديلات، من خلال قرار الجمعية العامة 1514 وقرار 1541 ومبادئه الاثني عشر المؤطِّرة للقرار 1514 (تقرير رقم A/4526). خُصصت الفقرة الثالثة في حيثيات القرار 1541 لتقرير لجنة الستة، إذ أعلنت الجمعية العامة عن ارتياحها لأشغال اللجنة والمصادقة على المبادئ الواردة في التقرير مع التعديلات المواكبة لها، وتطبيقها وفق الحالات المطروحة.

الدبلوماسية المغربية والدفاع عن القضايا الإفريقية
كانت الصحراء وإفني وسبتة ومليلية والجزر المتوسطية والقضية الجزائرية ونضال شعوب القارة الإفريقية والقضية الفلسطينية محور تحركات المغرب داخل مؤسسات الأمم المتحدة ومنها لجنة الستة، التي ستتحول إلى لجنة 17 ثم إلى لجنة 24، في سياق استقلال عدد من الشعوب، خاصة الإفريقية منها. هكذا لعبت الدبلوماسية المغربية دورًا أساسيًا في تجميع هذه الدول تحت راية الدول التقدمية المناهضة للاستعمار، وكيف أن المطالب الترابية منذ فجر الاستقلال حددت التوجهات الدبلوماسية للمغرب على صعيد القارة الإفريقية، وساندت الدول التقدمية، ذات التوجه الاشتراكي في إفريقيا، المغرب في خطواته نحو استكمال وحدة التراب. ومن هنا نفهم حضور عدد من حركات التحرير الإفريقية في المغرب، والدعم العسكري والدبلوماسي والسياسي الذي لقيته من لدن المغرب.

في أبريل 1961 انعقد بالدار البيضاء مؤتمر الحركات التحررية في المستعمرات البرتغالية، واستقبل المغرب رؤساء عدد من القادة الأفارقة، من بينهم رؤساء مجموعة الدار البيضاء، واحتضنت الرباط حكومة فرحات عباس الجزائرية بالبروتوكولات الرسمية، ولم تتوقف الزيارات الرسمية وغيرها بين المغرب ودول إفريقيا جنوب الصحراء. ورحب المغرب كثيرًا بتوقيع اتفاق إيفيان بين الحكومة الجزائرية المؤقتة وفرنسا.

اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار تجتمع لأول مرة في طنجة
بعد انتهاء مهام لجنة الستة، أنشأت الجمعية العامة لجنة جديدة للتكفل بقضايا تصفية الاستعمار في الدورة 16 للجمعية بقرار رقم 1654، بتاريخ 27 نوفمبر 1961. في أبريل 1962 اقترح المغرب جعل مدينة طنجة مقرًا للجنة تصفية الاستعمار (لجنة 17).

عقدت لجنة تصفية الاستعمار اجتماعها الأول في طنجة من 21 ماي إلى 25 ماي 1962، كما استقبلهم الملك الحسن الثاني بالرباط وخاطبهم بتوجيهات للنهوض بالقارة الإفريقية. كان اجتماع اللجنة الأممية في طنجة خير اعتراف بالدور المغربي في مناهضة الاستعمار في القارة الإفريقية، ورسالة سياسية كبيرة وتأييد من المجتمع الدولي للمغرب بشأن مطالبه الترابية. وقرار الاجتماع في طنجة مرتبط بقرار الجمعية العامة رقم 1654 (الدورة 16) المؤسِّس للجنة تصفية الاستعمار، إذ يسمح القرار في الفقرة 6 منه للجنة بعقد اجتماعاتها خارج مقر الأمم المتحدة، إذا كان في الأمر ضرورة للقيام بعملها على أحسن وجه.

في العام 1961 انعقد اجتماع بـ “منروفيا” وضم ممثلين عن 20 دولة، وظهرت حينها فكرة التوفيق بين مجموعة الدار البيضاء ومجموعة برازفيل، وتكلفت نيجيريا بتوجيه الدعوة إلى جميع الدول الإفريقية للاجتماع في أواخر شهر يناير 1962، لكن نيجيريا لم توجه دعوة المشاركة إلى الجزائر. موازاة مع ذلك، انعقد مؤتمر لمجموعة الدار البيضاء في أكرا بغانا يومي 20 و 21 يناير 1962، وقرر المغرب عبر رسالة ملكية إلى رئيس مؤتمر لاغوس عدم المشاركة في المؤتمر الذي دعت إليه نيجيريا ما لم تُستدعَ الجزائر للمشاركة فيه. هكذا كان المغرب وفيًا لالتزاماته المغاربية والعربية والإفريقية…

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x