لماذا وإلى أين ؟

وزير سابق يكشف لـ “آشكاين” خطة لمواجهة سرقة أطروحات الدكتوراه

أصبحت ظاهرة السرقات العلمية وبيع الأطروحات الجامعية مصدر قلق متزايد في الأوساط الأكاديمية، بعدما وصلت بعض ملفاتها إلى المحاكم وأثارت نقاشا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يراها أزمة قيم داخل الجامعة ومن يعزوها لضعف التأطير والرقابة.

وقد بلغ صدى الظاهرة قبة البرلمان، حيث تساءل نائب برلماني خلال جلسة موجهة لوزير التعليم العالي عن تفشي هذه الممارسات، مشيرا إلى سوق سوداء تنشط في مدن كبرى وعبر مواقع التواصل، ما يهدد مصداقية البحث العلمي وقيمة الشهادات الجامعية بالمغرب.

ويفتح النقاش الباب أمام سؤال جودة البحث العلمي وضرورة استحضار آراء علمية متخصصة لفهم أبعاد الظاهرة. وفي هذا الصدد، استقت جريدة “آشكاين” رأي الوزير السابق والأستاذ الجامعي خالد الصمدي، الذي أكد أن “غياب الأرقام والإحصاءات الدقيقة والنماذج الواضحة يجعل تقدير حجم الظاهرة وخطورتها أمرا صعبا”.

وأشار الصمدي في تصريح لجريدة “آشكاين” إلى أنه “لا ينفي الظاهرة ولا يثبتها في غياب هذه المعطيات”، لكنه شدد على أن “الغش بصفة عامة في إنجاز الأعمال العلمية أو ما يسمى بالانتحال العلمي، وما كان يُصطلح عليه سابقا بالممارسات التي تناقض الأمانة العلمية والنزاهة، كان دائما هاجسا موجودا قديما وحديثا”.

وأوضح الخبير التربوي أن “وضع المعايير العلمية ولجان المناقشة ودفاتر الضوابط البيداغوجية ومواثيق أخلاقيات البحث العلمي، كلها تعكس أن لا يوجد دخان بلا نار”، مضيفا أن “هذه الممارسات تطورت مع الزمن، وظهور وسائل جديدة مثل الذكاء الاصطناعي اليوم فتح فرصا لم تكن موجودة سابقا للوقوع في مثل هذه الإشكالات”.

وأكد الباحث أن “التعامل مع الظاهرة يتطلب أربعة محاور مترابطة تبدأ بالجانب التشريعي والقانوني، حيث شدد على ضرورة تطوير الترسانة القانونية باستمرار لضمان النزاهة العلمية، وضمان ممارسة البحوث والحصول على الشهادات وفق ضوابط صارمة”.

وأشار المتحدث إلى أن “مراجعة القانون 01.00 المنظم للتعليم العالي ستضيف بابا جديدا للبحث العلمي يضم موادا متعلقة بالنزاهة والأمانة العلمية والأكاديمية، بهدف ضمان مصداقية الشهادات وحماية جهود فرق ومختبرات البحث العلمي”.

أضاف أن “التأطير الأكاديمي يمثل بعدا حاسما”، موضحا أن “بحوث الماجستير والدكتوراه تحتاج إلى أساتذة أكفاء يواكبون الطلاب منذ إعداد المشروع وحتى جميع خطواته، بدءا بالإعداد وحتى مناقشة الأطروحة، مع إرشادهم إلى المصادر والمراجع والمقالات العلمية، وإحالتهم على دورات تدريبية متخصصة”.

وأكد الوزير السابق أن “التأطير عن قرب يحمي الطلاب من الوقوع في الأخطاء العلمية سواء كانت غير مقصودة أو مقصودة، ويعزز النزاهة العلمية”. داعيا إلى “ضرورة رفع كفاءة الباحثين وتوعيتهم بقيم البحث العلمي والنزاهة وشفافية الإجراءات وتكافؤ الفرص”.

وشدد الأستاذ الجامعي على ضرورة “تدريب عملي للتعامل مع المصادر والمراجع، لأن صعوبات الحصول على المعطيات قد تدفع الطالب إلى الانتحال أو اللجوء للذكاء الاصطناعي.

ونبه المتحدث لـ “وجود مئات الأطروحات الجامعية غير المفهرسة وغير المنشورة في المكتبات والخزانات، ما يسهل اقتباسها بشكل غير أخلاقي”. وهو ما يلزم يقظة أخلاقية ومعرفية في التعامل مع هاته القضايا.

وأفاد المصدر بأن “استخدام البرمجيات المتخصصة في كشف الانتحال العلمي يشكل ركيزة أساسية”، مشيرا إلى “اعتماد برامج متقدمة منذ 2017-2018 تدعم 34 لغة وأنواعا مختلفة من الوثائق، مع نسبة مسموح بها للاقتباس العلمي موثقا، بحيث يمنع الطالب من المناقشة إذا تجاوز الحد المسموح”.

الصمدي أكد أن “هذا التطور المعلوماتي أصبح ضرورة خاصة في عصر الذكاء الاصطناعي وتداول المعلومات بشكل واسع”. مشددا على أن التأطير والمواكبة ورفع الكفاءة وعبرها لاستخدام البرمجيات من شأنها الحد من الظاهرة وضمان النزاهة العلمية قدر الإمكان.

وأشار الصمدي إلى أن “الوزير الحالي للقطاع تحدث عن ميثاق أخلاقيات التعليم العالي والبحث العلمي، ومن المتوقع فتح مشاورات مع المعنيين لتطويره، مع مراعاة القواعد الأربعة”،

وشدد على “ضرورة إبقاء إمكانية إحالة المخالفات للقضاء وتضمين بعض المواد ذات الصلة بالنزاهة العلمية في القانون الجنائي، بما يحمي مصداقية البحث العلمي والشهادات الجامعية”.

واختتم الصمدي تصريحه بالتأكيد على أن “هذه الإجراءات تمثل خطوة أساسية لضمان تكافؤ الفرص بين الطلاب وحماية نزاهة البحث العلمي في المغرب”.

ويظهر من تصريحات الصمدي أن معالجة الغش والانتحال في الجامعات المغربية تتطلب تكاملا بين القانون، التأطير الأكاديمي، تطوير قدرات الطلبة، والتكنولوجيا المتقدمة.

ويبقى التحدي أمام الجامعات المغربية هو تحقيق توازن بين تطوير البحث العلمي وتشجيع الابتكار من جهة، وضمان النزاهة والأمانة الأكاديمية من جهة أخرى، وهو ما يجعل تطبيق الإجراءات القانونية والأكاديمية أمرًا بالغ الأهمية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x