لماذا وإلى أين ؟

هل يساهم التقارب بين الإليزي وقصر المرادية في تسريع تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية؟ (البراق يُجيب)

دخلت العلاقات الفرنسية الجزائرية مرحلة من الإنفراج الدبلوماسي، بعد شهور عديدة من القطيعة، منذ اعتراف باريس بمغربية الصحراء، خلال السنة الماضية.

وتخللت توترات غير مسبوقة العلاقات بين البلدين، بلغت حد استدعاء السفراء، وتبادل طرد دبلوماسيين من كلا البلدين، إلى جانب حروب سياسية ودبلوماسية، لم يسلم منها حتى الأدباء والمثقفين، إذ يرى مراقبون أن اعتقال الكاتب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، بوعلام صنصال، يندرج ضمن معركة ”كسر العظام” بين الجزائر ومستعمرته القديمة.

يوم أمس، لمح وزير الداخلية الفرنسي، لوران نونيز، عن إمكانية إعادة ”تطبيع” العلاقات بين البلدين، لافتا إلى أن مستوى التدهور بلغ ”حدا غير مقبول”

وأوضح المسؤول الحكومي الفرنسي، خلال حلوله ضيفا ، الجمعة 14 نونبر، على البرنامج السياسي الصباحي الذي تبثه القناتين “بي أف أم” و”أر أم سي”، أن زيارة محتملة له إلى الجزائر “قد تفتح صفحة جديدة من الحوار”، مبرزا أن “استراتيجية المواجهة مع الجزائر غير فعالة ولم تنجح”.

وشكر الوزير الرئيس الجزائري على إطلاق سراح الكاتب بوعلام صنصال، والذي قضى سنة في السجن بعد إدانته في بخمس سنوات حبسا بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية”، معتبرا ذلك “بادرة إنسانية من الرئيس عبد المجيد تبون”.

في ظل هذا التقارب الدبلوماسي الفرنسي – الجزائري، يظل الجمود سيد الموقف في العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، بينما تأمل أمريكا أن يحصل انفراج بين البلدين، حيث قال مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إن بلاده تعمل على اتفاق سلام بين الجارين، وإنه يأمل تحقيقه في غضون 60 يوما.

هل سيكون لإعادة ”تطبيع” العلاقات بين الجزائر وباريس أثر على المساعي الدولية الحثيثة لإعادة العلاقات إلى مجاريها بين البلدين الجارين المغرب والجزائر؟ وهل سيلعب قصر الاليزيه دورا في ذلك؟

البراق شادي عبد السلام

يرى  الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراعات، البراق شادي عبد السلام، أن قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الجزائرية، يمثل ”خيارا سياديا خالصا، ينبع من إرادة وطنية ثابتة وموقف دبلوماسي متزن”، لافتا إلى أنه ”لا يرتهن لوساطة طرف ثالث أو لتطورات جيوسياسية إقليمية عابرة، كمسار التقارب الراهن بين باريس والجزائر”.

وشدد البراق، متحدثا لجريدة ”آشكاين”، على أن الموقف المغربي يستند إلى المبدأ الاستراتيجي لـ “اليد الممدودة”، الذي رسخه الملك في خطبه السامية، مع التأكيد على ضرورة بناء التعاون الإقليمي على أساس الاحترام المتبادل لسيادة الدول واستقلالية قرارها السياسي.

وفي هذا السياق، يشرح الخبير، يُنظر إلى الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال كـ تطور داخلي جزائري يهدف إلى إعادة ضبط العلاقات الثنائية مع فرنسا، ولا يمكن للمغرب أن يبني عليه ”موقفا سياسيا أو دبلوماسيا، إذ أن جوهر التباين الثنائي يكمن في قضايا استراتيجية أعمق بكثير”.

وأبرز المتحدث أن قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية تمثل ”ثابتا وطنيا غير قابل للتفاوض أو المساومة”، مبرزا أن الاستراتيجية المغربية مكنت من ”تحصين هذه القضية وإبعادها عن أن تكون ضمن مسارات التماس الجيوسياسي وتوازنات المحاور الدولية”.

وأضاف أن أي تقارب فرنسي جزائري، أو أي مبادرة إقليمية أخرى، لن ”يكون له أي تأثير يذكر على الموقف المغربي الحاسم بشأن سيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية. السيادة المغربية على الصحراء راسخة ومطلقة، ولا يمكن أن تكون ورقة مقايضة مقابل تطبيع العلاقات الثنائية مع الجزائر؛ فالمغرب يرفض رفضًا قاطعا أي محاولة لربط استئناف الحوار بقضية تم حسمها بشكل نهائي من طرف الشعب والدولة المغربية”.

على الرغم من استقلالية قرارها السيادي، يستطرد شادي البراق، تظل المملكة المغربية منفتحة تاريخيا على جميع المبادرات الإقليمية والدولية البناءة التي تهدف إلى خلق مناخ من التعاون والتكامل في المنطقة المغاربية.

وأبرز أنه يمكن لهذا الانفتاح أن يستوعب التقارب الفرنسي الجزائري كـ عامل محتمل للمساهمة في استقرار الجوار، شريطة أن ”تحافظ الدبلوماسية الفرنسية على دعمها الواضح والصريح لمخطط الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية”.

وأوضح أن أي ”تراجع أو تذبذب في الموقف الفرنسي بشأن هذه القضية الجوهرية سيُفهم على أنه تأثير سلبي على التوازن الإقليمي، لكنه لن يغير من الحقائق القانونية والتاريخية والسياسية المتعلقة بالسيادة المغربية”.

وقال ذات الخبير إن تأثير التقارب الفرنسي الجزائري، يظل على ”آفاق إعادة العلاقات المغربية الجزائرية محدودا وهيكليا غير مؤثر على جوهر القضية”، موضحا أن ”لبّ الأزمة لا يكمن أبدا في غياب وساطة خارجية أو مبادرات دولية، بل يتركز أساسا في الموقف الجزائري العدائي والمؤسس من قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، التي تشكل ثابتا وطنيا لا يقبل المساومة”.

لذلك، يشرح شادي البراق، فإن المملكة المغربية لطالما اكدت أن العودة إلى مسار الحوار الإقليمي الفعّال والإيجابي، الذي يخدم مصالح الشعبين، تظل مرهونة بـ ”التجاوب الحقيقي والصادق للطرف الجزائري مع الدعوات المغربية المتكررة والمخلصة للحوار المباشر وغير المشروط. و يجب أن يتم هذا الحوار بعيدًا عن أي محاولات للتهرب من المسؤولية السياسية أو ربط المصير الثنائي بمسارات دولية أو إقليمية لا تمس جوهر ثوابت المملكة ولا تحترم سيادتها الوطنية على كامل أراضيها من طنجة إلى الكويرة. فمفتاح الحل يكمن في تغيير الموقف الجزائري تجاه قضية الصحراء المغربية، باعتبارها جوهر الخلاف وعقبة استمرار القطيعة”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x