2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
عسى أن تستجيب الجزائر لنداء الأخوة مع المغرب
طالع السعود الأطلسي
قرار مجلس الأمن، ليوم 31 أكتوبر 2025، دشَّن، أو وجَّه إلى المسار الوحيد المُفضي إلى حل النزاع حول الصحراء المغربية، ليقول بأن الإرادة الدَّوْلية ترى في الحكم الذاتي، ضمن السيادة المغربية، التَّصْريفَ الأجْدَى، المُمكن، الواقعي والعادل، لمبدأ تقرير مَصير سكان ذلك الإقليم المغربي…
بذلك القرار، والمشحون بقوَّة الإرادة الدولية وإصرارها، الْوَهم الانفصالي ليْس بوُسعه إلا أن ينقشِع ويَخبو إلى أن يتبدَّد… وذلك بتنصيص القرار على حصرية اعتماد الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية أساسًا، وقاعدةً، لمفاوضات حلِّ النِّزاع… المسعى الانفصالي لم يكن إلا الدَّمل النَّافر في انْسداد دورة الحياة الطبيعية في علاقات الجزائر مع المغرب… انسدادٌ تقصَّده الرئيس الراحل هواري بومدين، بداية من أواسط ستينيات القرن الماضي، ليستمر “عقيدة” موجِّهة لقيادة الجزائر في تعاطيها مع المغرب، وإلى يومنا هذا… رغم تكرار نداءات الملك محمد السادس، وإلحاحه، لرئاسة الجزائر بالحوار والانخراط في مسار الأخوة والتعاون بين الدولتين…
نداءات الملك محمد السادس، هي محاولاتٌ أخرى، صادرة من قناعةٍ راسخةٍ لدى الدولة المغربية ومن سعيٍ أصيلٍ لديْها لنسج علاقات أخوة وتعاون متينة مع الدولة الجزائرية… قناعةٌ، لها تاريخٌ من اللقاءات والمبادرات والاتفاقات التي جمعت الراحل الملك الحسن الثاني مع الراحلين الرئيسَيْن هواري بومدين والشاذلي بنجديد، والتي لم تؤثِّر في تغيير “عقيدة” الدولة الجزائرية، وجَوهرُها اعتبار المغرب موضوع عداءٍ وليس مصدر إيخاء…
على مدى عقديْن، من سبعينيات وإلى ثمانينيات القرن الماضي، تراكمت اللقاءات بين الملك الحسن الثاني والرئيس هواري بومدين، بين ثنائية أو مع الرئيس الموريتاني المختار ولد دادّاه… في إفران، في نواذيبو، في أكادير، وأسفرت عن اتفاقية لترسيم الحدود بين البلدين سنة 1972، وهي الاتفاقية التي صادق عليها البرلمان المغربي سنة 1992. وكل ذلك لم يكن سوى فترات هُدنَة، في وضع توَتُّر وعداءٍ راسخيْن… وهو الوضع الذي ورثه الرئيس الشاذلي بنجديد عن سَلَفه هواري بومَدين، رغم عدة لقاءات ثنائية بينه وبين الملك الحسن الثاني، أو في إطار عربي (القمة العربية) أو بوَسَاطة سعودية، وحتى بعد لقاءات قمّة اتحاد المغرب العربي، في مراكش أو في زيرالدا…
الوضع، مع الراحل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ازداد سوءًا (أو وضوحًا)، ويُرجع مؤرخون ذلك إلى أن المؤسسة العسكرية تحكَّمت في النظام أكثر، بوجود رئيس مَدني على رأسه… “بفمه تأكل الثوم”… ومذكرات الراحل الجنرال خالد نزار توضح ذلك أكثر، وبالوقائع، وقد كان له نفوذٌ بيِّن، لما كان في السلطة وحتى لما كان في المنفى ولما أعاد منه الراحل الجنرال قايد صالح…
الاجماع الدولي على وقف المُشاغبة الانْفصالية ضدَّ المغرب، (وضمن الاجماع روسيا والصين، لأنهما لم يعترضا على قرار مجلس الأمن) … له دلالة على الرّغبة الدولية في إبطال مفعول لُغم زرعته الجزائر ضد المغرب ورعت تغذيته على مدى نصف قرن… وقف مفعوله، في سياق سعي دولي لإخماد مَوْقد توَترٍ في المنطقة… مَوقد لم تتأجّج النيران فيه إلى درجة التحوُّل إلى بركان، تتأثر بحِمَمه إفريقيا ودوَل حوض الأبيض المتوسط، فيكون لها تداعيات جيواستراتيجية قد ينفعل لها المحيط العربي أو الجوار الأوروبي للمنطقة…
حالة التوتُّر، من زاوية النظر إليها عالميا، هي انشغالٌ مِزاجي للجزائر بإزعاج المغرب… وما كان ذلك يُقلق القوى الدولية المعنية بأوضاع شمال إفريقيا، أو تلك التي تهتم بها من منطلق استراتيجي، خلال العقود الماضية وفي سياق أوضاعها الجيواستراتيجية…
اليومَ تحوُّلات كبرى “تخترق العالم”، وضمنها امتداد الصراعات والتنافسات الدولية الحادة إلى إفريقيا، داخلها وحوْلها… والمغرب له في إفريقيا موقع استراتيجي، جغرافي، سياسي واقتصادي، وله لذلك الموقع روافع متينة وروافد ثرية استقطبت له كل القوى الدولية المؤثرة من الولايات المتحدة، إلى فرنسا، روسيا، الصين، إسبانيا، إلى ألمانيا واللائحة طويلة… لأنه بات بما اكتسبه من مقومات مُغريًا بإفريقيا وموصلا إليها…
المغرب اليوم حاجة استراتيجية للعالم… منتجة للترَابُح ومبادرة في اقتراح الحلول للأزمات الإفريقية وليس، مؤجِّجا لها… ولذلك أضحى استقراره (وضمنه وحدته) شأنا دوليا… من ذلك يُفهم الحماس الدولي للاعتراف بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية موضوع النزاع… ويفهم الاقتناع الدولي بصوابية وفعالية مقترح الحكم الذاتي لحل ذلك النزاع… ويفهم أيضا رعاية الرئيس ترامب لتنزيل ذلك المقترح، واستضافة المفاوضات حوله، وإلحاحه على تحسين العلاقات المغربية الجزائرية وداخل أجل محدد…
وبذلك يُفهم أيضا، أن عنتريات الجماعة الانفصالية هي مجرد صيْحات استغاثة من تائه ضال في صحراء وهم… وقد سبقتها حركات انفصالية كثيرة في العالم دامت لعقود، وتحولت إلى أحزاب سياسية في بلدانها، وآخرها حزب العمال الكردستاني، الذي حل نفسه، وقرر وضع سلاحه، للتحول إلى العمل السياسي داخل تركيا…. ولا مناص لتلك الجماعة من الامتثال للقرار الدولي، لكي تخرج من المشهد لفائدة إخلاء الركح لحقيقة الصراع ولخلفية العداء الجزائري المؤثرة فيه…
أمام الجزائر مَدخل مُوصل ومُشرف إلى علاقات نوعية مع المغرب… مَدخل لن يؤدي بها إلا إلى فوائد لها ولنظامها، سياسية، اقتصادية واجتماعية، مدخل أمَّنه الملك محمد السادس بدعوته لها إلى الحوار وبإلحاحه على أن نخرُج جميعًا من وضع الأزمة برابح-رابح وبلا غالب ولا مغلوب… ولعلها اليوم تستجيب لنداء العقل والأخوة المغربية… وقد بدأت بمؤشر هام …
الجزائر، لم تشارك في التصويت على قرار مجلس الأمن الخاص بنزاع الصحراء، صوتت لصالح قرار مجلس الأمن بتبني خطة ترامب الخاص بغزة… تلك الخطة رفضتها كل الفصائل الفلسطينية… ولم يكن مُتوَقَّعا أن تصوت لصالحها الجزائر، بينما روسيا والصين امتنعتا… تصويت الجزائر فُهِم على أنه تصويت للرئيس ترامب، لفتُ نظره إلى قابلية الجزائر إلى التمرُّن على نسيان، مراعاتها للفصائل الفلسطينية… والسيد ترامب رحّب بالتصويت الجزائري، ولكن له مصالح أقوى وأدوَم مع المغرب… لأنه لا يُحب أحدًا ولا يكره أحدًا في السياسة، هو يحب مصالحه ويقولها صراحة… ولعل الجزائر تفهم هذا وهي لا تطلب إلا مساعدتها على الخروج من عزلة دولية قادت نفسها إليها. خروجها منها بـأقل الأضرار وبقدر معتبر من التفهم، إذا لم يكن الود، الأمريكي…
الذي يهم المغرب، ليس إلا أن يكسب الجزائر إلى أفق عريض ومشرق من التعاون والإخاء… ولها أن تسلك إلى ذلك ما تأتى لها من سبيل…
الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.