2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
البوليساريو وإشكالية التمثيل الشرعي كطرف وحيد في المفاوضات
لحسن الجيت
في البداية لابد من التوضيح أن القراءة التي يتضمنها هذا المقال لا تعدو أن تكون سوى قراءة شخصية في قضية وطنية بامتياز تخص جميع المغاربة -وما يهمني من هذا الطرح هو شد الانتباه إلى مسألة أعتقد أنها في غاية الأهمية ويعكسها التساؤل الذي أطرحه على نفسي وعلى غيري والمتمثل في ما إذا كانت جبهة البوليساريو تتوفر فيها جميع الشروط بخصوص مدى أحقيتها في أن تكون وحدها هي الممثل الوحيد للساكنة الصحراوية أم أن هناك من ينازعها في هذا الحق وبالتالي يحق له أن يكون هو الآخر حاضرا وبقوة لكي يدلي برأيه في مسألة الحكم الذاتي بالتواجد على طاولة المفاوضات ضمن وفد مغربي قوي ومعزز برجالات وأبناء الأقاليم الصحراوية-
هناك العديد من المعطيات والاعتبارات التي تستدعي إثارة هذا الإشكال- وسنحاول إجمالها في ما يلي:
1 – من المهم أن ننطلق من القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي رقم 2797 الذي استعرض في ديباجته الأطراف الأربعة المدعوة للمشاركة في العملية التفاوضية وحددها في كل من المغرب والجزائر وموريتانيا وأخيرا البوليساريو- وقد حرص ذلك القرار في كل المواد التي جاءت بعد الديباجة على العناية باستخدام مصطلح “الأطراف” سواء على مستوى المشاورات أو على مستوى التفاوض مما يعني أن التوافق على الحكم الذاتي باعتباره الحل النهاءى، من منظور القرار الأممي، لا بد أن يكون موضع توافق بين الأطراف مكتملة-
ولعل المحاولة اليائسة التي قامت بها الجزائر بإقحام تغيير على نص القرار الأممي في نسخته العربية ضدا في النص الأصلي بالإنجليزية أو الفرنسية قد تشد الانتباه إلى وجود نوايا سيئة على عكس ما دعا إليه مجلس الأمن– فالأصل في القرار الأممي لا يشير لا من بعيد ولا من قريب سوى إلى استخدام مصطلح “الأطراف” بينما النص العربي الملعوب فيه يتحدث عن ” الطرفين ” – وقد سبق للمغرب أن نبه لمثل هذه الخروقات والتجاوزات والتصرفات المشبوهة داخل كواليس الأمم المتحدة- وإذا كانت هذه الشبهات تطال وثائق أممية فكيف يمكن الوثوق في تركيبة ونقاوة الانتماء لأعضاء وفد البوليساريو- فالتطاول قد جرى على الوثائق فكيف لا يسري على تشكيلة وفد البوليساريو-
بل أكثر من ذلك، أناط مجلس الأمن الدولي كل الأطراف، وليس فقط البوليساريو، بتقديم مقترحات بناءة في إطار التجاوب مع مبادرة الحكم الذاتي- كما نص القرار أيضا على دعوة كل الأطراف إلى التفاوض “بحسن النية”وهي إشارة إلى الجزائر التي اعتادت على تسخير البوليساريو من خلال ممارسة الوصاية عليها- والوقائع تثبت بالدليل القاطع أن تلك الجبهة ليست سيدة نفسها وأنها لا تملك سلطة القرار لكي تكون طرفا مستقلا في المفاوضات المرتقبة-
2 ـ مادام الأمر يتعلق بالتفاوض على مبدإ الحكم الذاتي، يتعين إذن في هذا الصدد احترام منطوق قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بالموضوع الذي يطالب المغرب بتحيين مبادرته في اتجاه جعل تلك المبادرة تنطوي على “حكم ذاتي حقيقي”- ونعتقد أن أهم مبدإ يجب احترامه للوصول إلى هذه الغاية هو دمقرطة هذا الحكم الذاتي سواء على مستوى المشاورات والمفاوضات أو على مستوى تنزيله على أرض الواقع- والأولى في بناء هذا الصرح أنه ينبغي فتح المجال لإشراك الممثلين الحقيقيين للساكنة الصحراوية ضمن الوفد المغربي لتمكينهم من إسماع صوتهم ورأيهم في هذا المشروع الذين هم أولى به من غيرهم-
الساكنة المتواجدة على الأرض بقيت حيث ما هي و،لم تغادرها منذ نشوب هذا النزاع المفتعل فهي بفعل ذلك أدرى بحقيقة المعيش اليومي على مدى خمسة عقود خلت- هذه الساكنة من حيث وزنها الديمغرافي تتجاوز بكثير حجم ساكنة محتجزي تيندوف حيث تقل فيها نسبة المحتجزين من أصل الأقاليم الصحراوية عن 20 بالمائة- والنسبة العالية المتبقاة هي من أصول دول الجوار كالجزائر ودول الساحل بعد أن ساهمت ظروف عيشهم في عملية استقطابهم- وبلغة الأرقام يتضح أن البوليساريو لا تتوفر على قوة الدفع من حيث التمثيل الشرعي مقارنة بقيادات وشيوخ القبائل الذين يتمتعون أصلا بالصفة التمثيلية في كل المجالس المحلية والإقليمية والجهوية والبرلمانية من خلال انتخابات وصلت فيها المشاركة في الأقاليم الصحراوية إلى أعلى نسبة على الصعيد الوطني- وعلى النقيض من ذلك فقيادة البوليساريو ليست على الإطلاق قيادات منتخبة بل هي منتقاة على أساس الولاء للطروحات الجزائرية-
3 ـ احتكار مسألة التمثيل عند قيادة البوليساريو يفترض فيها أن تكون موضع تساؤل واستفسار- فمن تكون هذه القيادة التي تنفرد بصلاحيات التكلم باسم الساكنة مع إقصاء تام للقيادات المحلية و للقيادات العائدة إلى أرض الوطن والتي تعد من أكبر القامات السياسية حيث كان لها دور كبير في تأسيس جبهة البوليساريو- ومن بين تلك القيادات هناك من أسندت إليه حقائب مهمة كوزارة الخارجية آنذاك في شخص القيادي إبراهيم حكيم- والقائمة طويلة من القيادات العائدة بعد أن وقفت على حقيقة واحدة وهي أن الجبهة أصبحت مخترقة- من بين من نأتي على ذكره على سبيل المثال لا الحصر عمر الحضرمي وبشير الدخيل ، ولد سويلم والمحجوب السالك ، وأخيرا وليس آخرا الخطاط ينجا رئيس جهة العيون وغيرهم كثر-
ويبقى السؤال الجوهري الذي يجب استحضاره في هذا المنعطف المصيري وهو كيف يمكن تغييب هذه القيادات الوازنة هي الأخرى عن مسلسل المشاورات التي سيجريها المبعوث الأممي دي ميستورا أو إقصاؤهم من طاولة المفاوضات وهم العارفون أكثر من غيرهم بالانحرافات التي أخذت هذا النزاع المفتعل إلى مربعات لا أفق لها ولا تخدم القضية في شيء- استبعادهم عن المشاورات قد ينزلق إلى مستوى الخطيئة التاريخية وقد لا يفضي إلى النتائج المرجوة من قبيل تنزيل حكم ذاتي بدون حساسيات-
هذا السيناريو خطير جدا، ولعل ذلك ما يريده خصوم وحدتنا الترابية – فيجب أن نعلم أن القصد من القرار الأممي هو إنهاء النزاع المفتعل- وعلى المنتظم الدولي أن يتجنب كل ما من شأنه أن يحول دون وضع حد لهذه المهزلة- فالمغرب يتعاطى بكل جد مع مخرجات القرار الأممي، وخاصة تلك الاقتراحات التي يدعو إليها القرار 2797 جميع الأطراف والتي يجب أن تكون بناءة، كما ينص على ذلك القرار، لوضع أسس سليمة لحكم ذاتي حقيقي- وقد تكون المطالبة بإتاحة الفرصة لممثلي الساكنة للمشاركة واحدة من الاقتراحات البناءة للدفع بحكم ذاتي حقيقي-
الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.