2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
في ظل التحذيرات المتجددة للمديرية العامة للأرصاد الجوية من احتمال تكرار تساقطات مطرية غزيرة في فترات زمنية قصيرة، خصوصا بسلا وآسفي نهاية الأسبوع الجاري، يعود القلق من سيناريو الفيضانات الذي خلف خسائر بشرية ومادية جسيمة في مناسبات سابقة.
الأرصاد الجوية أوضحت أن الوضعية الجوية الحالية، المتسمة بمرور اضطرابات نشطة قادمة من المحيط الأطلسي، تجعل احتمال تسجيل أمطار قوية محليا قائما، خاصة يوم السبت بالسواحل الأطلسية الشمالية والوسطى وسوس، ما يستدعي رفع منسوب اليقظة واتخاذ إجراءات استباقية.
وفي هذا السياق، شدد عبد الله أمهارش، مهندس جماعي، على أن التعامل مع الفيضانات لا يجب أن يبقى ظرفيا، مؤكدا أن “الدولة مطالبة باعتماد سياسة تستحضر مثل هذه المخاطر، واللجوء إلى مشاريع حقيقية لحماية المدن من الفيضانات، خصوصا مع التقلبات المناخية والاضطرابات التي أصبح يعرفها العالم والمغرب ضمنه”.
وأشار أمهارش، ضمن تصريح لجريدة “آشكاين” الإخبارية، إلى أن عددا من دول العالم راكمت تجارب مهمة في هذا المجال، مبرزا أن “هناك تجارب عالمية يتم من خلالها حماية مدن يقطنها ملايين البشر من الفيضانات والكوارث”، معتبرا أن المغرب مطالب بالاستفادة من هذه النماذج.
وسجل المتحدث ذاته وجود اختلالات بنيوية، موضحا أن “هناك مشكلا على مستوى البنية التحتية والمشاريع التي يتم إنجازها، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي يمكن أن تسببها التغيرات المناخية”، وهو ما يضاعف من حدة الأضرار عند كل تساقطات قوية.
ودعا المهندس الجماعي إلى مراجعة جذرية لشبكات التطهير، مؤكدا أنه “يجب التفكير اليوم في إنشاء شبكة خاصة لتصريف مياه الأمطار مستقلة عن شبكة تصريف المياه العادمة”، معتبرا أن الخلط بين الشبكتين أحد الأسباب الرئيسية لفيضانات المدن.
وبخصوص المدن المهددة، وعلى رأسها آسفي، شدد أمهارش على ضرورة اعتماد حلول تقنية كبرى، قائلا: “يجب التفكير في إنشاء أنفاق تصرف المياه من أماكن قبل وصولها للمدن وتوجهها مباشرة نحو البحر”.
وانتقد أمهارش طريقة تدبير مشاريع إعادة التهيئة، معتبرا أن “الوكالة الحضرية والجماعات الترابية ووزارة الداخلية لا تأخذ بعين الاعتبار، في عدد من المشاريع، المخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها الفيضانات”، داعيا إلى القطع مع هذا المنطق.
وأكد المهندس أن التخطيط العمراني يجب أن يتغير، موضحا أنه “عند تشييد التجزئات الجديدة يجب فرض إنشاء قنوات خاصة لتصريف مياه الأمطار بعيدا عن القنوات المخصصة لتصريف المياه العادمة”، مع التشديد على “عزل قنوات تصريف الأمطار عن قنوات تصريف المياه العادمة ومراجعة البنية التحتية”.
وطالب أمهارش وزارة الداخلية بإطلاق رؤية وطنية شاملة، مشيرا إلى أنه “يجب على وزارة الداخلية إطلاق دراسة شاملة بخصوص خطر فيضانات المدن في كل مدن المغرب، وتفعيل الصندوق المخصص للكوارث في الوزارة”.
أما بخصوص الإجراءات الآنية لمواجهة تساقطات نهاية الأسبوع، فشدد المتحدث على الطابع الاستعجالي للتدخل، مؤكدا أنه “يجب مراقبة وتنقية شبكات التطهير السائل بشكل عاجل، والشركات الجهوية المتعددة الخدمات هي المسؤول الأول عن هذه العملية”.
ودعا أمهارش إلى تفعيل آليات التتبع الميداني، موضحا أن “لجان اليقظة المحدثة عل مستوى المدن ومختلف المناطق مطالبة بتكثيف العمل والاشتغال بناء على النشرات الإنذارية التي تصدرها الأرصاد الجوية، مع ضمان التنسيق بين كل المصالح المختصة”.
وبخصوص المنازل الآيلة للسقوط، اعتبر أمهارش أن الخطر قائم، مؤكدا أنه “يجب جرد هذه المنازل وإفراغها، مع توفير مساكن آمنة لأصحابها، والانتباه للمناطق التي توجد بها”، مشيرا إلى أن هذه العملية انطلقت في بعض المناطق، لكنها “تتطلب مجهودا أكبر في باقي المناطق التي يمكن أن تعرف بعض التراخي”. وتبقى تحذيرات الأرصاد الجوية، في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، اختبارا حقيقيا لمدى جاهزية الجماعات والسلطات المحلية، ليس فقط في تدبير الطوارئ، بل في الانتقال إلى سياسة وقائية تقلص الخسائر وتحمي أرواح المواطنين.
حين تتحول الأمطار إلى مرآة لاختلالاتنا
لم تعد الفيضانات مجرد ظاهرة طبيعية عابرة، بل أضحت مرآة تعكس عمق الاختلالات التي تطبع علاقتنا بالمجال وبالتخطيط الحضري. فكلما اشتدت التساقطات، انكشفت هشاشة البنية التحتية، وظهر ضعف الاستباق، وغاب منطق الوقاية لصالح حلول ترقيعية لا تصمد أمام أول اختبار مناخي.
إن ما يثير القلق اليوم ليس فقط غزارة الأمطار، بل استمرار التعامل معها كحدث استثنائي، في حين أنها أصبحت جزءًا من واقع مناخي جديد يفرض تغييرًا جذريًا في طريقة التفكير والتدبير. فالعمران الذي لا يحترم الطبيعة، والتوسع الذي لا يراعي المجاري المائية، والتخطيط الذي يغيب عنه البعد البيئي، كلها عوامل تجعل من كل تساقط مطري تهديدًا محتملاً للأرواح والممتلكات.
إن الحل لا يكمن في الاستنفار المؤقت، بل في ترسيخ ثقافة وقائية تؤمن بأن حماية الإنسان تبدأ من التخطيط السليم، ومن ربط التنمية بالمسؤولية البيئية، ومن الانتقال من منطق ردّ الفعل إلى منطق الاستباق. فالمجتمعات لا تُقاس بقدرتها على مواجهة الكوارث فقط، بل بمدى قدرتها على تفاديها قبل وقوعها.
Le bon sens qui s’impose . Avant de demander un Ingénieur! c’est le bon sens qui s’impose ça coule de source , pendant les fortes pluie on doit être Prudent