لماذا وإلى أين ؟

إسناد تدريس الهندسة للجغرافيا… مساس بجودة التكوين ؟

عبد الحق غريب

في سياق الجدل الأكاديمي الذي تعرفه الساحة الجامعية بخصوص إسناد تدريس بعض المواد إلى أساتذة لا ينسجم تكوينهم الأكاديمي مع طبيعتها في عدد من المؤسسات الجامعية، ارتأيت التطرق إلى حالة موثقة ب ENSA التابعة لجامعة ابن زهر.

مع التأكيد على أن الهدف من هذا المقال ليس الإساءة إلى أي شخص بعينه، بل فتح نقاش أكاديمي مشروع حول هذه الآفة التي بدأت تتفشى بشكل مقلق منذ سنوات، وتطرح تساؤلات حول جودة التكوين.

وتتعلق هذه الحالة بإسناد تدريس مواد علمية وتقنية دقيقة، داخل مدرسة للمهندسين بأكادير (ENSA)، إلى أستاذ حاصل على دكتوراه في الجغرافيا، وهو ما يفتح باب التساؤل حول العلاقة بين التكوين البحثي للأستاذ ومحتوى المواد المسندة إليه.

الحالة موضوع النقاش تتعلق بأستاذ حاصل على شهادة الدكتوراه في الجغرافيا، عن أطروحة تحمل عنوان:
“المناطق الجبلية: نهج التنمية المحلية – حالة المنحدرات الجنوبية لجبال الأطلس الكبير الغربي”، والتي تركز على التنمية المحلية بالمناطق الجبلية.

أما المادة التي كان يدرسها الأستاذ المعني فتتعلق ب Règlements de construction، وهي مادة هندسية دقيقة تتكون، حسب الملف الوصفي، من المحاور التالية:
Règles de constructions métalliques (Eurocodes)
Règles NV
Règles sismiques

وللإشارة… الأوروكودات (Eurocodes) هي مجموعة من المعايير الأوروبية الموحدة لتصميم المنشآت الهندسية، وتستخدم لضمان أن المباني والهياكل المعدنية والخرسانية آمنة وموثوقة.

وللإشارة كذلك، فإن هذه المادة تعتمد أساسا على الرياضيات والفيزياء التطبيقية، مما يجعل محتواها دقيقا ويتطلب تكوينا هندسيا متخصصا، وليس تكوينا بحثيا في الجغرافيا أو التنمية المحلية.

انطلاقا من هذا المعطى الموثق، يطرح سؤال أكاديمي مشروع، وبعيد عن أي تجريح شخصي:
ما هي العلاقة العلمية أو البيداغوجية بين موضوع أطروحة في الجغرافيا الترابية والتنمية المحلية، وبين تدريس مادة هندسية تقنية محضة تندرج ضمن اختصاصات المهندس المدني (ingénieur en génie civil)؟

وبالتالي، أي انسجام يمكن الحديث عنه بين تكوين بحثي ذو بعد مجالي-تنموي، ومحتويات بيداغوجية هندسية تتطلب معرفة علمية دقيقة في الفيزياء والهندسة؟

إن طرح هذا السؤال لا يستهدف الأشخاص، بقدر ما يسلط الضوء على آفة بدأت تنتشر في عدد من المؤسسات الجامعية، وتتمثل في عدم احترام التخصصات الأكاديمية في عدة حالات، وما يترتب عن ذلك من مساس بالمصداقية العلمية للتكوين… خاصة في سياق يتسم بشح المناصب المالية، مقابل إحالة عدد كبير من الأساتذة الباحثين ذوي التخصص الدقيق على التقاعد.

وأمام هذا الوضع، يظل السؤال الأكاديمي الجوهري مطروحا:
بأي منطق بيداغوجي يتم إسناد تدريس وحدات هندسية دقيقة، تقوم على الأوروكودات والمعايير الزلزالية وقواعد رياضية وفيزيائية، إلى أستاذ تكوينه أدبي، وحاصل على الدكتوراه في الجغرافيا؟

ختاما، تبقى الطامة الكبرى في هذه الحالة أن الوضعية موضوع النقاش تتعلق بمن كان يتحمل مسؤولية نائب المدير مكلف بالشؤون البيداغوجية في ENSA، أي الجهة التي يُفترض فيها السهر على احترام الضوابط البيداغوجية، ومراقبة حسن تنزيلها، وضمان انسجام التكوين مع الأهداف المسطرة. وهو ما يطرح، بحكم المنصب لا الأشخاص، تساؤلات مشروعة حول آليات المراقبة والمساءلة داخل المؤسسة.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاجبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x