2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
“آشكاين” تكشف خلفيات استقبال رئيس موريتانيا وفدا من البوليساريو

في خطوة لافتة وتحمل أكثر من دلالة، استقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، يوم الجمعة 30 ماي المنصرم، وفدًا من جبهة البوليساريو برئاسة ما يسمى “رئيس المجلس الوطني الصحراوي”، الذي سلّمه رسالة خطية من زعيم الجبهة، إبراهيم غالي. وبالرغم من الطابع البروتوكولي الظاهري لهذا اللقاء، فإن خلفياته الأمنية والجيوسياسية باتت أكثر وضوحًا في ظل التطورات الجارية على حدود المنطقة.
اللافت في اللقاء المشار إليه، هو حرص الرئيس الغزواني على عقده بحضور طاقم أمني رفيع، ضم مسؤولين عسكريين ومدير الأمن الخارجي والتوثيق، ما يفند فرضية أن يكون الاجتماع بروتوكوليًا صرفًا. ما يوحي بأن الرسالة لم تكن ودّية بقدر ما كانت استفسارية أو حتى استجدائية في موضوع يتعلق بإعادة ضبط التوازنات على الأرض، خاصة في منطقة شرق الحزام الأمني المغربي، التي تشهد تحولات غير مسبوقة في قواعد الاشتباك والتحرك.
ما يعزز هذا الكلام، هو أنه تواترت في الآونة الأخيرة تقارير عن توتر مكتوم بين نواكشوط والقيادة العسكرية للبوليساريو، خاصة بعد أن قررت موريتانيا إعادة انتشار قواتها في بعض المناطق الحدودية الحساسة، التي كانت تاريخيًا ممرًا تعبر منه وحدات البوليساريو نحو مناطق جنوب المغرب للالتفاف على الحزام الدفاعي المغربي وضرب أهداف مغربية.
هذا القرار السيادي من نواكشوط جاء أيضًا بالتزامن مع إغلاق نقطة عبور غير رسمية نحو الجزائر، ما شكّل صفعة عملياتية للجبهة التي باتت تعاني من حصار خانق في ظل تزايد الدعم الإقليمي والدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي.
في هذا الإطار، أماط القيادي السابق في جبهة البوليساريو، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، اللثام عن خلفيات هذا التحول، مؤكداً أن البوليساريو لم تعد قادرة منذ 1984 على خرق الحزام الدفاعي المغربي دون المرور من الأراضي الموريتانية، خاصة عبر منطقة “بير أم اكرين”، وأن هذه الوضعية الشاذة استمرت لعقود بسبب غض الطرف الإقليمي عنها.
لكن، وفقًا لولد سيدي مولود، فإن المغرب استغل بلاغات الجبهة العسكرية نفسها، التي توثق استهداف قواته من خارج الحزام، ليشرعن رده ويستهدف أي تحرك في المناطق الشرقية، حتى تلك التي تضم منقبين عن الذهب، والتي يختلط فيها النشاط المدني بوجود عناصر الجبهة.
واعتبر ولد سيدي مولود، أنه تحت ضغط هذه المعطيات الميدانية، وجدت نواكشوط نفسها في موقف حرج؛ فمن جهة، تتعرض لضغط داخلي لحماية مواطنيها من التوغلات في مناطق تعتبر منطقة عسكرية، ومن جهة ثانية، لا يمكنها أن تحتج على المغرب ما دامت الحوادث وقعت في منطقة حرب تتعرض قواته فيها للقصف المتكرر.
مصطفى سلمى ذهب إلى أن موريتانيا بدأت عمليًا تمنع مرور عسكريي البوليساريو، وهو ما دفع الجبهة، في رد فعل مباشر، إلى إرسال وفد عسكري رفيع لنواكشوط بهدف ثنيها عن هذا القرار. لكنه، وفق تدوينة دبجها المتحدث، وفد جاء متأخرًا في وقت يبدو فيه أن القرار الموريتاني قد اتُّخذ وأصبح من الصعب التراجع عنه دون خسائر في السيادة والهيبة.
ويرى القيادي السابق في البوليساريو، أنه إذا استمرت نواكشوط في سياستها الأمنية الجديدة، فسيكون المغرب قد حقق اختراقًا استراتيجيًا كبيرًا دون إطلاق رصاصة واحدة، يتمثل في تأمين المناطق شرق الحزام بشكل كامل، وإنهاء عبور البوليساريو عبر الأراضي الموريتانية، وربط حدوده بشكل مباشر ومستقر مع كامل التراب الموريتاني، مقابل دفع البوليساريو نحو مزيد من العزلة داخل التراب الجزائري.
من هذه المعطيات، يتضح أن لقاء الغزواني مع وفد البوليساريو ليس مجرد رسالة دبلوماسية، بل قد يكون نقطة فاصلة في مسار التعاطي الموريتاني مع ملف الصحراء. ففي الوقت الذي ينخرط فيه المغرب في دبلوماسية هادئة تراكم المكاسب على الأرض، تبدو البوليساريو مضطرة للبحث عن منافذ جديدة في جغرافيا سياسية تغلق أبوابها تدريجيًا. موريتانيا تدرك اليوم أن اللعب على الحبلين لم يعد ممكنًا، وأن الحياد في زمن الاصطفافات لم يعد خيارًا بلا ثمن.