2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
اليمين الإسباني والمغرب

عبد الحميد البجوقي
تطرح التحولات السياسية في إسبانيا، ولا سيما احتمال صعود الحزب الشعبي المحافظ (PP) إلى السلطة وتحالفه أو تقاربه مع اليمين المتطرف ممثلاً في حزب فوكس (Vox)، تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقات المغربية–الإسبانية. القضايا الخلافية المعقدة، مثل الهجرة غير النظامية وملف سبتة ومليلية، تجعل مواقف أي حكومة جديدة ذات تأثير مباشر على المغرب. ومن أجل استيعاب انعكاسات هذا المشهد، من المهم التمييز بين طبيعة التيارين اليمينيين في إسبانيا:
الحزب الشعبي، الذي يمثل تياراً محافظاً تقليدياً، يقوم على اقتصاد السوق والدفاع عن وحدة الدولة والقيم التقليدية، لكنه عُرف بقدر من البراغماتية في السياسة الخارجية؛ فالحكومات التي قادها لم تتردد، رغم الأزمات المتكررة، في الحفاظ على قنوات التعاون مع المغرب في مجالات الأمن والهجرة والتبادل التجاري.
في المقابل، يمثل اليمين المتطرف فوكس (Vox) حزباً صاعداً بخطاب قومي متشدد، يستند إلى الشعبوية اليمينية. فهو يتبنى مواقف صارمة ضد الهجرة، خاصة من شمال إفريقيا، ويؤكد بشكل متكرر على “إسبانية” سبتة ومليلية، ويرفض أي نقاش حول مستقبلهما. كما يبني تحالفات أيديولوجية مع تيارات يمينية متطرفة أوروبية مثل مارين لوبان في فرنسا أو جورجيا ميلوني في إيطاليا.
ولا يخفي قياديو الحزب تشكيكهم في الشراكة مع المغرب، مؤكدين بشكل متكرر على ضرورة تشديد الرقابة على الحدود والتعامل بصرامة مع ملف سبتة ومليلية، ما يجعل أي مشاركة أو تأثير له في الحكومة عاملاً مقلقاً بالنسبة للعلاقات الثنائية.
لقد أدى تراجع الثقة في الأحزاب التقليدية وصعود Vox إلى دفع الحزب الشعبي إلى الخوف من فقدان ناخبيه المحافظين لصالح اليمين الشعبوي. لذلك، بدأ قادة الحزب في تبني خطاب أكثر تشدداً في قضايا الهجرة والهوية ووحدة التراب الإسباني، لتفادي نزيف الأصوات. هذا “الانزياح إلى اليمين” يقلص المسافة السياسية بين PP وVox ويفتح المجال لتحالفات محلية أو وطنية، كما حدث في بعض الحكومات الجهوية.
رغم التحسن الكبير الذي شهدته العلاقات المغربية–الإسبانية في عهد حكومة بيدرو سانشيث، تظل هذه العلاقات معقدة وحساسة بحكم تشابك المصالح وتعدد الملفات الخلافية.
في ملف سبتة ومليلية، يُرجَّح أن يتبنى أي تحالف بين اليمين واليمين المتطرف خطاباً أكثر صرامة بشأن المدينتين، مع رفض تام لأي إشارة إلى الطابع الاستعماري لهما أو إمكانية التفاوض حولهما. بل وقد نشهد تصعيداً سياسياً وإعلامياً ضد المغرب كلما أُثير هذا الملف.
في ملف الهجرة، يُركِّزُ Vox على ما يسميه “التهديد الديموغرافي”، ويدعو إلى إغلاق الحدود وتشديد المراقبة. هذا الموقف يضغط على الحزب الشعبي بدوره لتبني سياسات أقل مرونة تجاه التعاون مع المغرب، وهو ما قد يعرقل التفاهمات الثنائية التي تقوم عادة على أساس مقايضة تعاون المغرب في ضبط تدفقات الهجرة مقابل تسهيلات اقتصادية أو سياسية من الجانب الإسباني والأوروبي.
على الصعيد الأوروبي، من المحتمل أن يعزز Vox تحالفاته مع قوى اليمين المتطرف الصاعدة في القارة، ما قد ينعكس على الموقف الإسباني داخل الاتحاد الأوروبي ويدفعه نحو خط أكثر تشدداً في قضايا الهجرة، وهو ما سيؤثر سلباً على علاقة المغرب بمؤسسات الاتحاد.
مع ذلك، يظل هناك إدراك داخل الحزب الشعبي لأهمية الحفاظ على قنوات التعاون مع المغرب في المجالات الاستراتيجية مثل التجارة ومكافحة الإرهاب والأمن الطاقي. غير أن الضغوط الشعبوية قد تجعل هذا التعاون هشاً وأكثر عرضة للأزمات المفاجئة والمفتعلة.
أما في موضوع الصحراء المغربية، فمن المرجح أن يستمر الموقف الإسباني الجديد من هذه القضية، نظراً لارتباطه المباشر بمصالح مدريد الاستراتيجية، ولقربه من الموقف الأميركي الذي أعلنه الرئيس ترامب وأبقى عليه الرئيس بايدن. وهو ما يجعل أي تراجع في هذا الملف غير مرجح، حتى في حال صعود تحالف يميني إلى السلطة في مدريد.
خلاصة القول: إن صعود اليمين الإسباني واحتمال تحالفه مع اليمين المتطرف سيُعقّد إدارة الملفات المشتركة مع المغرب، خصوصاً في القضايا الرمزية المرتبطة بالهوية والسيادة (سبتة ومليلية، الهجرة). ورغم وجود مصالح استراتيجية تدفع باتجاه التعاون، فإن الخطاب الشعبوي المتشدد قد يجعل هذا التعاون أقل استقراراً وأكثر عرضة للتوترات.
الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.