لماذا وإلى أين ؟

المغاربة والقمار…فقر المدمنين وربح الشركات

تنقسم ألعاب القمار إلى 4 أنواع معروفة، أولها لعبة الورق؛ التي تضم بدورها “العيطة” و”الرامي”، وثانيها، الكازينوهات؛التي تنتشر في مدن محددة مثل مراكش وطنجة والصويرة، ويعد روادها من الأغنياء، وثالثها قمار الألعاب الرياضية؛ الذي يشمل “طوطوفوت”، وسباق الخيل، وسباق الكلاب، وآخرها قمار الأرقام؛ الذي يضم “اللوطو”، و”الكينو”و”ماندا”.

في هذا الاستطلاع الصحافي، تسلط “آشكاين” الضوء على ألعاب القمار الخاصة بالرياضة والأرقام؛ التي تعد الأكثر شيوعا بين المغاربة، إذ أن سوق هذا النوع من القمار إذا صح هذا التعبير، تحتكره 3 شركات كبرى، “المغربية للألعاب والرياضات”؛ التي حققت سنة 2011م ما قيمته 96.5 مليار سنتيم كأرباح حسب الإحصائيات المنشورة على موقعها الإلكتروني، وهي شركة تحت وصاية وزارة الشباب والرياضة، ومنتوجاتها تتمثل في “لكرونو” و”طوطوفوط” و”كوطي سبور”.

أما شركة “الرهان التعاضدي الحضري” التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري؛ التي تطرح ضمن منتوجاتها لعبة “التيرسي” و”لكونطي” و”لكوارطي”، والتي ضخت من خلالها 100 مليار سنتيم كضريبة في خزينة الدولة بحسب ما سبق أن تداولته بعض وسائل الإعلام الوطنية. في حين أن شركة “اليانصيب الوطني” التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، تختص منتوجاتها في سوق القمار بألعاب الأرقام مثل، “الكيو” و”لكواطرو” و”اللوطو”، وحققت ما قيمته 560.6 مليون درهم كأرباح سنة 2009م، حسب معطيات نشرها موقعها الإلكتروني في السنة ذاتها.

بدأت “آشكاين” جولتها الاستطلاعية من محل لعب القمار القريب من مقر جهة الرباط؛ الذي يتجمع عند مدخله العشرات من المقامرين، بعضهم يصطف أمام بائع أوراق “التيرسي” أو لكونطي” وغيرهما، فيما البعض الآخر منشغل باختيار أرقام حظه، ومنهم من يتبادل أطراف الحديث.

عندما يكون القمار مانعا للزواج

وسط المحل يجلس أحمد عامل النظافة ذو 41 سنة أمام شاشة التلفاز؛ الذي تعرض فيه مسابقات الخيل، سألناه عن قصته مع القمار فقال إن علاقته به، بدأت منذ 4 سنوات، لعب خلالها مئات المرات، ولم يحظ بالفوز إلا قليلا، لذلك فالأرباح كانت قليلة مقارنة مع الخسائر”، يتذكر بداية إدمانه قائلا:” كنت أجلس مع بعض الأصدقاء وكان أحدهم مدمن على القمار، وكان دائما يشاركنا في تعبئته لأوراق اللعب، وذهبت معه “باش يقطع” فكان ذلك أول دخول إلى محل اللعب. وبمجرد أن لعبت المرة الأولى، بدأت في حلقة تنقلني من شخص إلى شخص آخر، حتى وجدت نفسي “مبلي”.

صديقنا أحمد، لم يؤدِ به القمار إلى تفكيك أسرته أو ترك أبنائه عراة مشردين، فهو كما يقول “محظوظ” لأنه لم يتزوج بعد، فالمراهنات لم تترك له مجالا للادخار من أجل تكوين أسرة، خاصة أن أجره متواضع ولا يمكن أن يسمح له بذلك، إذا شاءت الأقدار “نجيب شي ر بحة كبيرة… راك عارف مصاريف الحياة كثيرة” يقول أحمد، فكل شخص يلعب يتمنى أن يعوض ما خسره.
ويؤكد المتحدث أن أكثر الآثار التي ترتبت القمار في حياته هي ” أعيش رهينة الديون التي كنت أقترضها للعب”، كما “أصبحت عصبيا ومتهاونا في العمل وفي آداء واجباتي الدينية”، قاطعناه، هل يمكن الجمع بين الواجبات الدينية ولعب القمار الذي هو حسب الدين الإسلامي محرم، أجاب: “أعرف أنه حرام، لكن هذا لا يمنعني من الصلاة والصيام”، وأضاف: “إلى ربحت شي ملاين غادي نتوب ونمشي للحج نغسل ذنوبي”، وزاد بعد برهة صمت: “الله اسمح لينا”.

يحكي لنا أحمد عن أحد معارفه الذين أدى به القمار إلى مصير مؤلم قائلا: “كان لي صديق متزوج، يشتغل موظفا بإدارة الجماعة الحضرية، أصبح عرضة للتشرد و المرض، فقبل 3 سنوات كن يقامر بالجزء الأوفر من راتبه الشهري، ويترك أسرته بدون مصاريف، فهو كان يعطي لزوجته 10 دراهم كمصروف يومي، ويطلب منها أن تدبر باقي المصروف، ما دفعها إلى العمل كخادمة بالبيوت، لكن بسبب تعنيفه لها و صراعهما الدائم، افترقا”، صبرت الزوجة طويلا، لكن استمرار معاناتها وأبنائها، دفعها إلى الرجوع إلى البادية التي تنحدر منها، حيث اكترت غرفة بعين عودة. وتوقف كل أبنائها عن الدراسة، فثلاث بنات يشتغلن نادلات بالمقاهي، والولد يتشغل في معمل الكابلاج، بينما الأب المقامر، مازال يعيش لوحده، وساءت أحواله أكثر: منزله متسخ وملابسه رثة وباع الكثير من التجهيزات المنزلية- بسبب إصابته بمرض السرطان في الرئة، وهو الآن يصارع المرض ومكر الحياة وحيدا بعد أن هجره الجميع” يقول أحمد.

القمار “مرض وسحر”

وفي ذات القاعة يقف (أ.ك) وهو رجل ستيني، غطى الشيب شعره الكثيف ولحيته، أدمن على القمار منذ الثمانينات، وافق على الحديث لـ “آشكاين” بعد انتهاء مسابقة الخيل بالعربات التي خسر فيها، كل المقامرين بمكتب اللعب، الذي صادف تواجدنا وجودهم، قال، منفعلا ” هادشي ولا فيه الترافيك”، موضحا أنه ” يتم التلاعب والتحايل في المسابقات عبر الإنترنت، لأن الأرقام التي تجدها في الجرائد الخاصة بالقمار، ليست هي التي لا تفوز دائما، مضيفا أنه “حتى في حالة الفوز، فالمقامرون يحصلون فقط على 30 في مئة بينما 70 في مئة من الأموال المقامر بها تأخذها الشركة المشرفة على هذه الألعاب”، على حد تعبيره.

ويلخص المصدر مغامراته المالية، بقوله: “طيلة 30 سنة من الإقبال على القمار خسرت عشرات الملايين، دون أن أتوقف على اللعب ولو يوما واحدا، رغم الأضرار التي لحقتني”، واصفا ذلك بـ”المرض والسحر”، وأردف ” ستجد كثيرا من الناس تؤمن بالكذب و بإمكانية من التحول من الفقر إلى الغنى، لكن الحقيقة، أنك تخسر مالا كثيرا، وإذا حالفك الحظ وفزت يكون الربح قليلا جدا”.

رفض الرجل الطاعن في السن الحديث عن النتائج التي جناها ومعه أسرته من وراء القمار، واكتفى بالقول:” ليس هناك من سوف يحكي لك عن مشاكل عائلية خاصة إن كان لعبه للقمار هو السبب وراء ذلك”، وتابع بعد استفزازه بسؤال حول آثار القمار على مستقبل أبنائه، “يجب أن تعلم أني لم أبخل على أبنائي بشيء وسهرت على إتمامهم لدراستهم، حتى حصلوا على وظائف قبل أن أتقاعد نسبيا”، مضيفا “أن اليوم أعيش مشاكل مع زوجتي فقط، بينما أبنائي يرسلون لي مبالغ مالية كل شهر ويشترون لي الملابس”.

وتابع قائلا: ” ظروفي أفضل من غيري، يمكنك أن تجلس بالمقهى الذي يرتاده المقامرون، وسوف تسمع عن حكايات، منهم من سرق من أجل القمار وقضى عقوبات حبسيه، وهناك من باع مقتنياته المنزلية، ومنهم من غض الطرف عن بيع بناته لأجسادهن أو اتجار أبنائهم في الممنوعات، بل هناك من انتحر بسبب الديون التي تراكمت عليه وعجزه عن سدادها”.

كثيرا ما يرتبط لعب القمار بالرجال أكثر من النساء، لكن “آشكاين”، في جولتها صادفت بعض النساء في محلات بيع أوراق القمار ولعبه، حاولت محاورتهن لكنهن أبين ذلك، إما بسبب انشغالهن بملء أوراق القمار أو بعدم وجود داع لذلك حسب تبريرهن، لكن الملاحظ أن العينة التي شاهدناها، تشترك في بعض الخصائص، فأغلبهن قد بلغ العقد الرابع فما فوق، كما أن ذبول وجوههن وملابسهن الرتة، تبرز أثار إقبالهن الدائم على القمار وسوء حظهن في الفوز.

تلميذ مولع بالكرة أصبح مقامرا

كل من يزور إحدى نقاط بيع منتجات القمار، يلاحظ أن هذا الأخير يستهوي كل الفئات العمرية، ففي الجولة الاستطلاعية التي قامت بها “آشكاين”، صادفت، رضوان، وهو تلميذ في السنة الثانية بكالوريا يهم بالخروج من نقطة بيع “الطوطوفوت” المقابل لمحطة الطرامواي بباب الأحد، قال لنا: “ألعب القمار منذ سنتين، لكن لست مدمنا، فعلاقتي بالقمار، هواية”، مضيفا:” أتفرج في مباريات كرة القدم، وأتوقع نتائجها ويكون ذلك مرة في الأسبوع”.

تابع رضوان كلامه وهو متكئ على العمود الإسمنتي المقابل لمحل القمار: “اللعب لا يؤثر على مصروفي اليومي الذي أحصل عليه من عند الوالد”، وزاد مبتسما:”أنا أخسر 5 دراهم أسبوعيا في اللعب، وربحت ضعفها عشرات المرات طيلة السنتين”، وأردف قائلا:”أعلى مبلغ فزت به هو 10000 درهم، وفي أحيان كثيرة أتوقع نتائج المباريات دون أن ألعب، وعندما تكون التوقعات صحيحة أندم كثيرا”.

الغريب، أن رضوان رغم السرور الذي يبدو على وجهه وهو يتحدث عن المقامرات التي يخوضها في ” طوطوفوت”، فإنه يعتبرها “حرام”، ويبرر التناقض بين موقفه المحرم للقمار وشغفه به، بقوله إن: ” التوقف عن اللعب يجب أن يكون عندما يؤثر القمار سلبا على حياتي، فلكل شيء حدود”، وزاد: “باش تكمل حياتك بخير، وإلا فإنك سوف تخسر كل ما تملك، والدين يحرمه لهذا السبب”، على حد تعبيره.

يعتقد هذا التلميذ أن السبب في استمرار إقباله على القمار هو كونها هواية لديه، وقد فاز في أول مقامرة له، وعبر عن ذلك بقوله: “الخايبة هي تربح أول مرة لعبتي، حيث نفسيا ستصبح مدمنا وسوف تلعب بالأموال التي ربحت”، وأضاف: ” كلما لعبت بما ربحت أخسره، فكل ما مصدره حرام يذهب في الحرام”، واستدرك كلامه بعد أن سألناه على معنى ذلك، قائلا: ” في أغلب المرات ما أربحه يذهب في أمور غير مفيدة، والقليل منها أشتري ملابس أو هاتف أو لوحة إلكترونية وغيرها”.

فاز بأزيد من مليار فأصابته “لعنة القمار”

كما أن للقمار خسائر، فإن هناك من يصيبه الحظ فيتحول في لمح البصر من الفقر إلى الغنى، “آشكاين” ترصد أحد الحالات التي جنت من وراء ألعاب القمار مئات الملاين، وهو(م.ل) 54 سنة، جندي متقاعد، قضى حياته في ألعاب القمار وأثر على حياته والمحيطين به سلبا، فهو عجز بعد التقاعد عن ادخار المال الكافي لشراء “قبر الحياة (المنزل)” وكانت الديون متراكمة عليه، يخسر أكثر مما يربح، قبل أن تنقلب دنياه على أعقابها بضربة حظ.

حاولت “آشكاين” مقابلة هذا الرجل الخمسيني، لكنه تحفظ على ذلك، فاستمعنا لشهادة صديقه الذي يقول ” كنا نجلس نحن 4 أصدقاء في مقهى التيرسي، فاشتراك الثلاثة، في ورقة واحدة ساهم كل واحد منا بـ 10 درهم، وكان (م.ل) لا يتوفر إلا على ذلك المبلغ الذي لعب به…وبعد 12 ساعة طلعوا النويمرات، وربحوا مليار وسبعة مئة مليون سنتيم”.

ويصف مصدرنا، الحالة التي كان فيه (م.ل) بعد معرفته بالفوز قائلا: ” صدم واندهش ولم يتكلم لمدة تتجاوز النصف ساعة، ثم التقى بشريكيه في اللعب الذين يشتغلان في أعمال البناء، اندهشوا دهشتهم ولم يصدقوا فوزهم بهذا المبلغ الخيالي أكثر من الجندي المتقاعد”.وسرعان ما اتجه الثلاثة إلى مدينة الدار البيضاء لاستلام الشيكواقتسام هذه الثروة؛ التي لم يتخيل أحد منهم يوما أنه سوف يكون مالكا لها، مشير إلى أن “مندوبي عدد من الأبناك عرضت عليهم الكثير من الامتيازات مقابل إيداع أموالهم لديها”.

يقول المتحدث إن صديقه،عندما فاز في القمار ” تحسنت ظروفه كثيرا، غاب لمدة معينة، وعاد إلى المدينة وقد اشترى سيارة من نوع ميرسيدس واقتنى منزلا ببني ملال، وضيعة فلاحية بنواحي مدينة قصبة تادلة”، وتابع قائلا: “اشترى لأحد أبنائه شقة بالدار البيضاء عندما كان يدرس في أحد معاهدها، ووزع بعض الأموال على إخوانه وأقاربه”، مستثنيا أخ له يشتغل بالجيش، الذي رفض تلقي أموال من أخيه الفائز، بعد أن استفتى أحد أئمة مساجد المدينة الذي أفتى بأنها أموال حرام” على حد تعبير مصدرنا.

وراء كل نعمة هناك نقمة، أو هكذا كان حال (م.ل) وفق ما حكى لنا مصدرنا؛ الذي قال:” لم تمر سنة على ربحه حتى توفى ابنه وهو جالس أمام حاسوبه، حيث دخلت أمه لغرفته فوجدته جثة هامدة على الكرسي ورأسه منحني على الطاولة”، كما “تعرضت والدة (م.ل) بكسر على مستوى العمود الفقري، وأصيب والده بداء السكري”.

وفي سياق متصل، قال المصدر، أن الرابحين الآخرين، تغيرت ظروفهم الاجتماعية بنفس الدرجة التي تغيرت بها ظروف (م.ل)، لكنه لا يعلم تفاصيل هذا التغير، صمت برهة وقال مبتسما، “منذ ذلك اليوم الذي فازوا فيه، لم أجتمع بهم كما كنا سابقا، “وخا أنا اللي خلصت البراد ديال أتاي داك النهار”، فصاحبنا لم يتلق منهم ولو سنتيما واحد.

أكبر الشركات ترفض التعليق

اتصلت “آشكاين” بالشركة المغربية للألعاب والرياضة لسؤالها حول المنتجات التي تروج لها، والحصول على الإحصائيات الخاصة بأرباحها، والاطلاع على مساهمتها الاجتماعية -خاصة أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، صنفها ضمن الشركات المسؤولة اجتماعيا- ومساهماتها في تنمية القطاع الرياضي، ناهيك عن طرق تسييرها وآليات اشتغالها، بعد محاولات عديدة، تم الرد على اتصالاتنا الهاتفية من طرف مصلحة الاستقبال؛ التي طلبت منا الانتظار لإحالتنا على مصلحة الإعلام الخاصة بالشركة المغربية للألعاب والرياضة، مرت عشرة دقائق والخط الهاتفي مفتوح لكن دون مجيب، ودون اعتذار أو موافقة عن تلبية طلب “آشكاين” التي تروم تسليط الضوء على دور أكبر مستحوذ على سوق ألعاب القمار بالمغرب وتنوير الرأي العام وإحاطته علما بهذا المجال الذي يكثر فيه القيل والقال. لم نيأس وعاودنا الاتصال مرة أخرى، لعلنا نصل إلى المبتغى لكن دون جدوى فالهاتف ظل يرن دون جواب.

وفي سياق متصل، قال الخبير الاقتصادي، نجيب أقصبي، إنه ” لا يمكن الحديث عن حجم مساهمة الشركات التي تدير ألعاب القمار في الاقتصاد الوطني، في ظل غياب معطيات وأرقام دقيقة حول رقم معاملات هذه الشركات وعدد أجرائها …”، مضيفا أن “كل ما يمكن قوله في هذه الحالة هو أن ألعاب القمار تشكل جزء من مداخيل الميزانية العامة للمغرب، ويتم التنصيص عليها في كل قوانين المالية”.

الإشهار يساهم في الدعاية للقمار

دعا محمد رفيقي رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام الدولة إلى إعادة النظر في التمييز بين ألعاب القمار التي ينظمها القانون وبين ألعاب القمار التي يحظرها، معتبرا ذلك بأنه “غير مبرر”، مبرزا أن “كل المفاسد والأضرار التي تترتب عن الألعاب المحظورة هي نفسها التي تنتج عن الألعاب المرخصة القانونية”، وزاد أن من “واجب الدولة حماية أموال المواطنين وممتلكاتهم من كل الأضرار التي يمكن أن تقع بسبب الألعاب”.

وقال المعتقل السلفي السابق، أنه “لا يمكن الحديث عن انتشار ظاهرة القمار دون الحديث عن مجموع المظاهر الأخرى التي تطبع الحياة المعاصرة، التي تؤكد قوة تأثير الإشهار على الاستهلاك، والهوس بالربح المادي السريع”. وأوضح أن “ظاهرة القمار تاريخية ولا يوجد عصر من العصور لم تكن فيه هذه الظاهرة، إنما هذا التصارع الكبير خلف الماديات في الحياة المعاصرة والإعلانات والإشهارات التي جعلت الأمر يستشري أكثر”.

ويرى أبو حفص، أن الحد من أضرار ألعاب القمار يستوجب” القيام بتوعية المواطن وتحسيسه بالأضرار التي يمكن أن تمسه جراء الإقبال على مثل هذه الألعاب، وتوعية المواطن بأهمية حماية ماله وحفظه وصرفه في مسائل تعود عليه بالنفع” وكذا “تحسيسه ببعض التجارب المؤلمة التي أدت إلى خراب أسر وتدمير بيوت”. مؤكدا على ضرورة “إشراك البعد الديني في التوعية والتحسيس بخطر القمار”.

القمار محل تناقض بين الدستور والقانون

وقال أحمد ولاد الصغير، محامي بهيئة القنيطرة، إن “القانون لم يحظر القمار، بل أفرد فصولا في باب الجرائم المخلة بالضوابط المنظمة لدور القمار واليانصيب والتسليف على الرهون من 282 إلى 286، تحدد أصنافا من العقوبات على من يمارس القمار أو يديره دون أن يحصل على رخصة من السلطات المخولة لذلك” مبرزا أن “التجريم والعقوبة تقع على الممارس للقمار بدون ترخيص، إضافة إلى اعتبار جلب الأطفال إلى محال القمار ظرف من ظروف التشديد “.

وأشار ولاد الصغير إلى أن “الترخيص لممارسة هذا النشاط له مساطر ودفاتر تحملات خاصة، وأكثر من ذلك، فالقانون المغربي أصدر قانون خاص سماه القانون المتعلق باليانصيب الوطني وأنواع اليانصيب المرخص لها، قانون رقم 23،71 الصادر بتاريخ 13 ذي القعدة 1391 الموافق 5 أبريل1972”.

وتابع المحامي، إن”المشرع المغربي تناول مفهوم القمار في قانون الالتزامات والعقود في قسمه الثامن في باب فريد جدا وضع له عنوان “عقود الغرر” وخصص له ستة فصول من 1092 إلى 1097″، معتبرا أن “الالتزام المرتبط بواقعة المقامرة يكون معدوم السبب، أي أن المشرع المغربي أسس البطلان على أساس اختلال ركن مهم من أركان العقد، المتمثل في”وجود شيء محقق يصلح لأن يكون مخلا للالتزام”.

ومن جهة أخرى، سجل ولاد الصغير إن ” هناك تناقض قانوني في موضوع القمار”، مبرزا أن “الوثيقة الدستورية تنص في الفقرة 3 من الفصل 1، على أنه تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية المتعددة الروافد…، وفي الفصل 3 أكد علىأن الاسلام دين الدولة، لكننا نجد القوانين والنصوص التنظيمية التي ترخص لدور القمار وتنظم ممارستها”.

للقمار منافع للناس وأضرار كثيرة، وبالمغرب تشير الإحصائيات إلى أن أزيد من 3 ملايين مغربي يلعبون القمار، عددهم يرتفع بمرور السنوات، وبارتفاع الإقبال على ذلك تتسع دائرة المتضررين، الأمر الذي يطرح تساؤلا حول المسؤولية الاجتماعية للشركات التي تدير سوق القمار، خاصة أن هناك تجارب في بعض الدول الأوربية تساهم فيها شركات القمار في مبادرات علاج مدمني القمار، يتطلب واقع الحال نقلها إلى بلادنا، حتى يتم التمكن من الحد من مخاطر القمار على الأفراد وأسرهم، وذلك إلى جانب المنع أو التقليل من الحملات الدعائية التي تقوم بها الشركات لترويج منتوجاتها القمارية، وكذا منع هذه الشركات من استهداف فئتي الشباب والنساء عبر مسابقات القمار التي تتم من خلال الهاتف النقال و الإنترنيت.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x