بنحمزة: المغرب تعامل بكثير من الهدوء والحكمة في تدبير العلاقة المتأزمة مع السعودية (حوار)
من أجل تسليط المزيد من الضوء على استدعاء المغرب لسفيره بالسعودية وسحب قواته العسكرية من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية باليمن، استضافت جريدة اشكاين في فقرة ضيف السبت، المحلل ىالسياسي والقيادي الاستقلال السابق عادل بنحمزة، الذي حاول في هذا الحوار تقديم قراءة للإجراءات التي اتخذها المغرب ومدى تاثير ذلك على مستقبل العلاقات بين البلدين وكذا احتمالات اصطفاف بعض الدول لجانب السعودية ضد المغرب.
1/ ما قراءتك للأنباء المتداولة حول استداعاء المغرب لسفيره بالسعودية وسحب قواته العسكرية من التحالف ضد اليمن؟
استدعاء السفير من الرياض معناه أن العلاقات بين البلدين تجتاز منعطفا ربما يكون غير مسبوق في العلاقات الثنائية، وكما يعلم الجميع فإن هذا الاستدعاء جاء بعد ما نشرته قناة “العربية” من تقرير يهم قضية الصحراء المغربية بشكل يختلف تماما مع ما دأبت عليه في خطها التحرير عند التعاطي مع قضية الوحدة الترابية لبلادنا، وفي رد واضح على الخروج الإعلامي الموفق لوزير الخارجية السيد ناصر بوريطة على قناة “الجزيرة”، لكن ذلك لا يعني سوى أن المشاكل التي كانت صامتة بين البلدين انفلتت من عقالها دفعة واحدة، وأن البلدين يفتقدان قنوات خلفية للحوار مما يجعل النزاع يتسم بطابع علني بعد أن كان صامتا لفترة طويلة..، المغرب تعامل بكثير من الهدوء والحكمة في تدبير العلاقة المتأزمة مع السعودية وذلك منذ وصول محمد بنسلمان لولاية العهد، وحتى الخروج الأخير لوزير الخارجية ناصر بوريطة، ابتعد عن اللغة الصدامية وخطاب المواجهة وانتقى عباراته بكثير من الديبلوماسية والحزم أيضا، للتعبير بوضوح عن مستجدات الموقف المغربي من الحرب على اليمن والتي فهم منها الجميع أن المغرب أوقف مشاركته في التحالف الذي تقوده السعودية بخصوص النزاع في اليمن، الخلاف مع السعودية يعود إلى عدم تقبل هذه الأخيرة الموقف المحايد للمغرب في النزاع الخليجي مع قطر، وفي حفاظ المغرب على علاقات جيدة مع الدوحة، بل إن السعودية بلغ بها الأمر التصويت على الملف الأمريكي بخصوص تنظيم كأس العالم نكاية في المغرب وما رافق ذلك من تصريحات مسيئة من مسؤولين سعوديين مقربين من ولي العهد السعودي في حق المغرب، معنى كل ذلك أن العلاقات بين البلدين تجتاز منذ فترة أزمة حقيقية تتحمل فيها المملكة العربية السعودية كامل المسؤولية..علما أن الحرب على اليمن أضحت جريمة ضد الإنسانية لا يشرف المغرب أن يكون مشاركا فيها.
2/ هل يمكن أن نكون أمام تطورات عميقة في العلاقات المغربية السعودية؟
الأمر كذلك رغم أن المغرب منذ البداية كانت له رغبة في تطويق هذه الخلافات التي لا تقف على أسس منطقية سليمة بين دولتين لهما مكانتهما في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وكانت لهما علاقات تقليدية مبنية دائما على التوازن والاحترام المتبادل، التحول العميق الذي يحدث في بنية النظام السعودي يجعل من الأزمة الحالية أمرا غير مسبوق، والأمر يتعلق بصفة أساسية بولي العهد السعودي الذي يتصرف برعونة كبيرة سواء في تدبير الشأن الداخلي لبلاده سياسيا واقتصاديا، أو في تدبير علاقاتها الخارجية، بداية من الاعتقالات العشوائية التي همت رجال أعمال ومفكرين وحقوقيين وأمراء، مرورا باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني و منح ملايير الدولارات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وليس انتهاءا بالاغتيال الهمجي والبدائي للكاتب جمال خاشقجي، إضافة إلى اصطفاف عدد من الدول إلى جانب السعودية تحت الإكراه وهي دول على كل حال ليس لها مكانة مؤثرة أو أنها تعيش بصورة شبه كلية على المساعدات السعودية. ولي العهد السعودي يعتقد أن المغرب من ضمن حديقته الخلفية وأن عليه أن يكون رجع الصدى للقرارات والمواقف السعودية، بينما المغرب دولة عريقة حافظت دائما على شخصيتها واستقلاليتها في علاقاتها الخارجية وأنها لا تقبل سوى علاقات متوازنة وواضحة مبنية على الاحترام المتبادل…، التحول الجاري اليوم في السعودية والذي ستكون له عواقب وخيمة على السعودية نفسها وعلى المنطقة ككل، لا يؤمن ولي عهدها – نتيحة الرعونة وضعف الخبرة- بمبدأ التوازن في العلاقات الثنائية، فأنت وفقا للمقاربة السعودية الجديدة، إما مع الرياض في كل ما تفعل وما لا تفعل، وإما أنك ضدها، ومحاولة الضغط على المغرب من خلال قضية وحدته الترابية، تعبر عن ضياع صوت الحكمة الذي كان موجودا وسط النخب والأسرة الحاكمة في السعودية، وجهل مركب بأهمية ملف الصحراء بالنسبة للمغاربة وكونه موضوع إجماع وطني، ولا يقبل أحد أن يتحول إلى رهينة في العلاقات الثنائية، لذلك لن يغفر المغاربة لكل من يحاول العبث بوحدته الترابية تحت أي ظرف، و سيجعل عودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين أمرا صعبا في المستقبل، وهذا تطور عميق وغير مسبوق في العلاقات بين البلدين.
3/ هل يمكن أن يقع اصطفاف دول معروفة بتحالفها مع السعودية ضد المغرب؟
ربما بعض الدول الضعيفة والتي تعيش كليا أو جزئيا على المساعدات والدعم السعوديين، لكن الأمر في النهاية لن يمثل تحديا كبيرا بالنسبة للمغرب الذي يحافظ على علاقات جيدة مع العديد من الدول في المنطقة منها الإمارات والكويت وسلطنة عمان وقطر، لهذا على السعوديين أن يفهموا أن المغرب لا يمكن التعامل معه كما يتم التعامل مع بعض الدول/الجزر…، وأن المغرب تعلم ما يكفي من الدروس في موضوع وحدته الترابية، بما لا يسمح للبعض بالتجرأ عليه بخصوصها أو التهديد بها.