2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
أعكاو: رسائلنا إلى ذوينا وطمعُ الحراس هي بداية معاناتنا في تازمامارت (الحلقة 3)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو الذي كُتب له العيش بعد قضائه 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..
أراد المساعد الأول خربوش الاستحواذ على قنوات الاتصال بين السجناء وعائلاتهم، نظرا لما يجنيه من مال مقابل التنقل إلى خارج تازمامارت لجلب الإرساليات. ولأن باقي الحراس كانوا بدورهم يطمعون في نصيب من “الغنيمة” التي استحوذ عليها خربوش مستغلا قربه من مدير المعتقل، فقد بادروا خلال المرحلة الثانية من الاتصالات إلى الوشاية به، خصوصا من قبل الحارس بندريس. لما بلغه ما يقع نصب المدير له كمينا في المحطة الطرقية لمدينة الريش للقبض عليه متلبسا بنقل ما طلبه المعتقلون، من حليب وشكولاطة ودواء ورسائل. لكن أثناء وصول مدير المعتقل إلى الريش وفي غفلة منه ومن طاقمه استطاع الشربادوي أن يتسلم من خربوش الرسائل التي كانت بحوزته، فيما حجزوا لديه باقي الأغراض التي كان محملا بها. ليتم إيداعه في زنزانة بالثكنة نفسها، قبل أن يحال على لجنة تأديبية بعد ذلك تقرر طرده نهائيا من سلك الجندية.
على عكس السجناء الذين غضبوا بعد إنجاز المهمة الأولى لربط الاتصال بالعائلات لأنه جرى الإعداد لها وتنفيذها على غفلة منهم، لم أغضب شخصيا أو تأثر بعد إقصائي من هذه العملية التي تكللت بتوصل بعض السجناء بالرد من ذويهم، لماذا؟ لأن همي الوحيد في تلك اللحظة هو أن يتم التواصل بنجاح لكي تصل أخبارنا إلى الخارج ويعلم الجميع أننا هنا في هذا المعتقل، لكن بقي لدي الأمل في أن أحظى بفرصة التواصل مع أهلي مستقبلا.
وبهذا الإجراء ضرب مدير المعتقل عصفورين بحجر واحد، إذ ضرب المثل بخربوش الذي كان أقرب المقربين إليه وهو الذي كان وراء جلبه للاشتغال في معتقل تزمامارت، كما أنه أرد أن يلقن للحراس درسا ولسان حاله يقول إن من ساعد أو حتى تعاطف مع السجناء لن يرحمه وسيلقى نفس مصير خربوش، وأن هذه الحادثة، وما سيليها من أحداث، بمثابة الوجه الحقيقي لوجود المعتقل سيء الذكر. إذ مباشرة سينقلب النظام الذي كنا نسير عليه في المعتقل رأسا على عقب، وتبين لنا أنه كان نظاما ذو امتيازات على علاته التي كانت أفضل لو بقيت في ظل هذا الجحيم، فقد كانت بمثابة مكتسبات حرم منها أصدقاؤنا في العنبر الثاني الذين كانوا يذوقون العذاب بتفاصيله.
بعد حاث خربوش لم يعد بين الحراس من يتعاطف معنا كما في السابق، بل أصبحوا يحتاطون أثناء ولوج الدهليز حيث يشرعون ميكانيكيا في فتح الأبواب في أوقات تقديم الوجبات واحدا واحدا عوض فتح أبواب زنزانتين أو ثلاث، أي أننا حرمنا من تلك الفرصة الوجيزة التي تجرنا للخروج من وحشة الزنزانة. الأكثر من هذا أن الحراس بدأوا يسابقون الزمن لمغادرة العنبر بسرعة، زد على ذلك أنهم لم يعودوا يلجون بالهدوء المعهود إذ كانوا في كل مرة يثيرون الصخب ويفتحون الأبواب بعنف.
لقد كان المدير يراقب حراسه، ودفعهم بذلك إلى مراقبة بعضهم البعض، لأنه هو من شحنهم وحرضهم ضدنا حتى غيروا أسلوب معاملتهم معنا، حيث كان قد عقد معهم اجتماعا بعد حادث خربوش وأخبرهم بأننا خونة للملك لأننا أردنا الانقلاب عليه وبأننا كنا نسعى إلى تشبيب الجيش وطرد كل من هم بدون مستوى دراسي من الجندية، كأمثالهم، ووصل به الأمر إلى تحذيرهم من الحديث أو حتى النظر إلينا.