لماذا وإلى أين ؟

أعكاو: نقلي بين الزنازن في أقل من ربع ساعة هو سبب مرضي إلى الآن (الحلقة7)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

تمكن حارس من إدخالي إلى العنبر، فتح زنزانة لا تختلف عن زنازين عنبرنا الأول في شيء ودفعني إلى حضن فظاعتها وأغلق الباب. من وراء ظلمتها وكآبتها لمحت شخصا بأسمال تلتصق بجسده النحيل وبلحية كثيفة لم تخف قهر الزمان والزمن، رحب بي بشدة ما جعلني أندهش. سألني عن اسمي فقلت له إنني عبد الله أعكاو من العنبر الأول فعنقني وعرفني باسمه قائلا إنه الملازم الحيفي، قبل أن يأتيني بإناء من الحمص اقترحت عليه وضعه جانبا لتناوله في وقت لاحق. لقد كان كريما في ترحابه بي، لكن ضيافته لي لم تستمر إلا وقتا وجيزا جدا إذ بالحارس يعود ليفتح الباب وجرني إلى الخارج لأنه أودعني الزنزانة الخطأ.

مرة أخرى استعمل الحراس “البرويطة” لحمل من عجزوا على المشي والوقوف، ومن بقيت لديهم ذرة قوة فقد تأبطوا بالسجانين وجروا أجسادهم في اتجاه العنبر للعودة إلى بؤسنا

مرة ثانية وجدت نفسي في “قبر” آخر، دفعني إليه السجان وأغلق ورائي الباب الحديدي، لأجد أمامي شبحا لا تقل حالته فظاعة عنا، سرعان ما تعرفت عليه، إنه المساعد أول محمد العايدي الذي كان يشغل منصب رئيس قسم السلاحيين.

عرّفت بنفسي فقال لي مرحبا بك يا عبد الله تفضل بالجلوس، وحين استغربت من ترحيبه بهذه البرودة أعدت تقديم نفسي، حينها انقض عليّ هذه المرة وضمني إليه بحرارة وأخذ يقبلني. لقد كان في الوهلة الأولى يظن أني عبد الله الفراوي الذي يجاوره في نفس العنبر. من جديد لم يدم مقامي عنده إلا قليلا فقد أخطأ الحارس الزنزانة وكم كان المشهد مأثرا في هذه اللحظة حين خطفني الحارس من بين يدي العايدي الذي احتضنني بقوة عندما اكتشف أني لست عبد الله الفراوي، واستمر ينادي باسمي وأنا خارج الزنزانة.

لم تنته محنتي مع هذا التنقل الذي أجبرني على جر جسمي العليل بصعوبة متنقلا بين تلك الفظاعة، فقد وجدت نفسي داخل حجرة أخرى، ناداني من يقبع فيها باسمي عندما تعرف عليّ، إنه محمد العفياوي الذي جيء به من العنبر الأول، وما إن جلسنا نتساءل عن سر تغيير مكاننا حتى فُتح علينا الباب وأُمرنا بالخروج. هذه المرة ليس لدخول زنزانة أخرى ولكن للعودة إلى العنبر الأول!

وبالطريقة المهينة التي نُقلنا بها إلى العنبر الثاني رجعنا إلى الأول، فقد استعمل الحراس “البرويطة” لحمل من عجزوا على المشي والوقوف، ومن بقيت لديهم ذرة قوة فقد تأبطوا بالسجانين وجروا أجسادهم في اتجاه العنبر للعودة إلى بؤسنا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x