2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
أعكاو: لم يكن عدد من المعتقلين يتلقون ردا على رسائلهم فهددوا بإفشاء سرنا (الحلقة 9)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو الذي كُتب له العيش بعد قضائه 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..
كان بعض الحراس يأذنون لبعضنا بعيادة من استبد به المرض في زنزانته للاعتناء به ما أمكن، لدرجة تركه يبيت ليال عنده. كان دافع ذلك هو أن الحراس يفضلون تركنا نقتسم الفظاعة لوحدنا عوض ولوجهم العنبر لأنه أصبح لا يطاق بسبب التعفنات والأمراض التي غزت المكان ونخرت أجسادنا، لذلك كان من الأفضل لبعضهم تركنا نحارب عفننا وسقمنا لوحدنا خوفا من انتقال العدوى إليهم، أي أنهم كانوا مكرهين فقط وليس في سبيل مساعدتنا.
في غمرة هذا الانفراج الباعث على أمل كبير، حل يوم مشؤوم قلب كل شيء
كما أشرت سابقا كان التواصل بين العائلات يتم كل ستة أشهر، أو يزيد عنها، بمساعدة من الشربادوي ومزيان. إلا أنه يُربط بشروط، حسب ما ادعى بلكبير وحشاد، اللذين كانت من بين شروطهما أن يبقى خبر أننا مازلنا أحياء هنا في نطاق عائلة المُرسل إليها، وألا يتعداها كي لا يُفضح أمرنا وأمر العائلات. ولكي تمر عملية التواصل في سرية تامة ومأمن، حُدد محوران يكونان وجهة لمن يوصل رسائلنا، الأول هو مدينة القنيطرة حيث توجد زوجة صالح حشاد، والثاني فاس التي توجد فيها عائلة بلكبير، على أساس أن تتكلف زوجة حشاد بإيصال وتلقي رسائل العائلات الموجودة في الرباط والدار البيضاء والقنيطرة والنواحي، وكذلك بالنسبة لعائلة بلكبير التي ستتكلف بعائلات فاس ومكناس والنواحي. وذلك لتسهيل مهمة من سيوصل الرسائل لأنه يكون متبوعا بالوقت ولا يمكن له التنقل كثيرا. ومع ذلك بقي عالقا مشكل قدرة العائلتين في فاس والقنيطرة على المغامرة.
لقد خلقت لنا مشكلا كبيرا في ما بيننا حين لا يتوصل بعضنا بالرد من عائلته، وهو ما كان يُوجب على المسؤولين الرئيسيين داخل العنبر تقديم استفسارات، لكن لا يقبلها المحرومون من الرد وهو ما يخلق حزازات بيننا. لقد وصل الأمر حين لا يقبل البعض تلك التفسيرات إلى التهديد بقطع الاتصال نهائيا على الجميع. كنت من المحرومين ولم أستطع التواصل مع عائلتي، لأن رسالتي كانت مع الرايس الذي حُرم بدوره ولم يتلق أي رد. لكن، وإن كانت للتواصل فوائد فقد كانت له مساوئ لأننا جنينا منه الويل…
فقد استقام لنا الحال في فترة لما تمكننا من فتح نافذة على العالم بفضل “الترانزيستور” وربطنا الاتصال ببعض العائلات، كما ترك لنا بعض الحراس مساحة لزيارة بعضنا البعض وعيادة المريض فينا، لكن في غمرة هذا الانفراج الباعث على أمل كبير، حل يوم مشؤوم قلب كل شيء.