لماذا وإلى أين ؟

ما بعد تزمامرت.. دركيون في منزلي يسمعون ما أحكي للناس ويعدون التقارير للقايد (الحلقة 21)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه أكثر من 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

 

انتقلت أنا وصهري من مقر قيادة سيدي بطاش في اتجاه منزلنا، أخيرا أمشي حرا دون عصابات وأصفاد ودفع وأوامر. ثاني أفراد أسرتي الذين سألتقيهم هي أختي التي لم تستطع البقاء في المنزل فانتظرني في الطريق، لما لمحتني هرولت نحوي تجهش بالبكاء وتصرخ غير مصدقة أن أخاها عاد بعدما تركها وهي في السنة الثامنة من عمرها، وارتمت علي ولم تحس بنفسها وهي تضغط علي بقوة الشوق والحسرة حتى حذرها صهري من إسقاطي أرضا.

أكملنا المسير إلى البيت الذي أصبح محجا للأهل والجيران والأقارب وأقارب الأقارب وكل من أراد أن يرى ميتا انبعث من قبره، تاركين شغلهم وجاؤوا لاستقبالي، والحاضر منهم بلّغ الغائب ليأتي مسرعا، عكس توقعات المسؤولين الذين أرادوا تظليل الجميع لأدخل البيت في صمت.

أخيرا وجدت نفسي في منزلنا الذي غادرته في أحد أيام سنة 1972 لألتحق بعملي. أذكر أن والدتي تركت عيناها تتكلمان دمعا غزيرا دون أن ينطق لسانها، في كل لحظة تفحصني جيدا لتتأكد من أن هيأة ابنها العجوز كاملة ولم يترك جزءا من جسمه العليل في تزمامارت، فقد كانت تعي على غرار باقي البلدة بأن مصير من في ذلك المكان الموت حتما أو الخروج شبحا مشوها لن يكون كباقي البشر. ظلت أمي تحملق فيّ ساعات طويلة دون أن تتوقف دموعها ولم تبرح مكانها أمامي ولم تأبه للحشد الذي لم تستوعبه مساحة المنزل فأصبح الناس يتناوبون في الدخول.

انتبهت إلى أن عناصر من الدرك الملكي كانوا موجودين بين الحضور. لمست أن الناس كانوا شغوفين بسماع قصتي وكيف استطعت النجاة من الموت، انتظروا مني أني أحكي لهم منذ اليوم الأول ما حذرني منه قائد البلدة وقبله بعض المسؤولين، لكن لم تكن لي رغبة في النطق.

 أول ليلة في منزل العائلة

لم أرد النوم، أردت أن أحذق بدوري في من حولي، فقد بدوا لي أناسا طبيعيين ليسوا كمثلي عاشوا حياتهم بينما كنت أموت ببطء.

في اليوم الموالي أحسست برغبة في الكلام وليذهب خطاب القائد إلى الجحيم، لأني لم أعد إلى أهلي بعد سفر قصير. لم أروي تفاصيل ما قبل تزمامارت، بدأت مباشرة أحكي عن بداية الجحيم، كانت الوجوه متأثرة متفاعلة مع كل لحظة والآذان صاغية مركزة لا تريد أن يفوتها شيء من رحلة ما بعد الموت، وأنا بدوري لم أجد حرجا في معاودة الحكي إن طُلب مني ذلك. لذلك كان طبيعيا أن يرسل القائد يطلب مقابلتي مادام عناصر من الدرك الملكي كانوا حاضرين بدورهم في منزلي. عندما التقيته في مكتبه كان أول ما فعل هو تهديدي وتحذيري من مواصلة سردي وقائع الماضي الذي يريدني أن أضعه وراء ظهري كأن شيئا لم يحصل. لم أجبه وظللت ساكتا وعند عودتي إلى المنزل واصلت الحكي وشعرت بأن الكل كان مركزا معي، كان كثيرون يترددون على منزلنا مرات عديدة، يتفاعلون ويتألمون ويغضبون ويحقدون ويتساءلون كيف استطعت بعد الذي سمعوه أن أكون الآن بينهم حيا.. أمام مسامع عناصر الدرك الملكي الذين كانوا من الحاضرين، بل تزايد عددهم بعد أيام، واستمروا في إنجاز تقاريرهم اليومية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
Rachid samy
المعلق(ة)
29 مايو 2019 23:35

Vous etiez naif

Car sans un ordre juridique emanant du

Procureur du Roi,personne n aura droit

De violer l intimite d une maison ,

Nous ne sommes pas sous regime militaire

Ou la loi de la caserne fait office.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x