لماذا وإلى أين ؟

ما بعد تزمامرت.. ظلت أمي طيلة أيام تشك في أني ابنها بسبب هيأتي والقائد استمر في تهديدي (الحلقة 22)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه أكثر من 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

 

عند عودتي إلى المنزل واصلت الحكي وشعرت بأن الكل كان مركزا معي، كان عدد كبير من الناس يترددون على منزلنا مرات عديدة، يتفاعلون ويتألمون ويغضبون ويحقدون ويتساءلون كيف استطعت بعد الذي سمعوه أن أكون الآن بينهم حيا.. أمام مسامع عناصر الدرك الملكي الذين كانوا من الحاضرين، بل تزايد عددهم بعد أيام، واستمروا في إنجاز تقاريرهم اليومية.

مع مرور الوقت لاحظت أن الدركيين بدأوا يظهرون تفاعلا كبيرا مع حكاياتي وانصهروا وتعاطفوا معها وأصبحوا يعيشون الليالي الباردة والأيام القاسية والفظاعة وكل ما حدث معي في ذلك المعتقل الجهنمي، ولم يبق أمامهم إلا أن يطرحوا علي الأسئلة لاستجلاء مزيد من الحقائق التي يجهلها الجميع، ويدونونها في تقاريرهم.

أما والدتي، فقد اطمأنت نوعا ما في نفسيتها ولم تعد تجلس أمامي تتأملني طيلة الوقت كما فعلت في البداية. والحقيقة التي سأكتشفها من أختي بعد مرور السنوات، وبالضبط سنة 1995، هي أن أمي في ذلك اليوم الأول، بالإضافة إلى أنها بقيت تستطلعني لكي تتأكد من أني كامل لم أترك جزءا من جسمي في تزمامارت، كانت أيضا تشك في أنني ابنها عبد الله بسبب ما فعله الزمن بجسمي، فقد هجرتها قسرا وأنا شاب يافع جندي ذو 25 سنة من العمر وعدت إليها عجوزا قبل الموعد تكاد هيأتي تشبه هيأتها. كانت تقول لي رحمها الله إن ذلك اليوم الذي عدت فيه إليها كأنها ولدتني للتو.
كانت كوابيس تزمامارت تنتظر خلودي إلى النوم، لدرجة أستيقظ ظنا أني في زنزانتي رقم خمسة. وبالنسبة إلى حالتي الصحية، كان المرض يباغتني كثيرا، وأتعرض لموجات دوار وتقيؤ، وهو ما كان يستدعي نقلي إلى المستعجلات مرارا، خصوصا على مستوى الجهاز الهضمي والرأس، وذلك طبيعي لأن نظام الأكل تغير وجسمي غلبته النظافة والماء والهواء النقي والأكل الجيد وهو الذي اعتاد الفتات والوسخ والنتانة…

مرت تقريبا خمسة عشر يوما وأنا في حضرة الأهل والأقارب وحكايات تزمامارت التي أثارت فضول الحاضرين، قبل أن تقترح علي والدتي أن نلتحق بأختي في تمارة، لنغير الجو قليلا. ولأن القائد لم تكن تخفى عليه تحركاتي أذكر أنه عندما وصلنا إليى تمارة جاءنا مرسول منه قال لي إن القائد يريد أن أعود إلى منزل العائلة في سيدي بطاش لأنه ليس من حقي مغادرة المكان، لكني رفضت أمره وبقيت. لم يستسغ رفضي فأرسل مرة ثانية مرسوله يأمرني بالعودة، وهددني بإجباري على ذلك بالقوة إن استمريت في العودة.

أول خطوة مع الصحافة

في ظل تهديدات القائد الذي نغص عليّ مقامي في تمارة وأنا الذي كنت أسعى إلى محاولة العيش من جديد وأن أكون إنسانا طبيعيا، اقترح عليّ صديق ينتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي أن أصدر بيانا يفضح تماديه، على صفحات جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، وذلك ما حصل ونشرنا أن عبد الله أعكاو أحد الناجين من تزمامارت يتلقى تهديدات من قائد سيدي بطاش. وبعد صدور هذا البيان تلقى القائد اتصالا من مسؤوليه عن سبب النازلة ولما اطلع عليه في ما بعد أرسل أخ صهري إليّ يقول له إنه كان يريد أن أجد راحتي، فقلت له أن يخبره بأني وجدتها في تمارة…

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x