لماذا وإلى أين ؟

ما بعد تزمامرت.. “امتيازات” لصالح ناجين وآخرون تعرضوا لضغط عائلي (الحقلة 23)

تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه أكثر من 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

بعد مرور شهور وأنا متنقل بين سيدي بطاش وتمارة أسعى إلى استعادة صحتي المسلوبة، جاءني المعتقل السياسي والفاعل الجمعوي فؤاد عبد المومني، رفقة طبيب من منظمة “أطباء العالم” ليقفا على وضعي الصحي الذي لم يتحسن بعد ووعداني بلقاء آخر معي.

قبل ذلك كنت قد راسلت وزير الصحة أطالبه بالتدخل للعناية بنا نحن الناجين من تزمامارت وألا نُترك مرة أخرى ليجهز الزمن على ما تبقى فينا، لكنه رد عليّ بأننا كنا عسكريين وبالتالي يتوجب علينا اللجوء إلى الجهاز العسكري إذا أردنا التطبيب. عندما حطت طائرة مدير منظمة “أطباء العالم” في مطار أكادير للقائي كانت أجهزة الأمن في انتظاره، فأعيد في أول طائرة إلى حيث جاء، وهذا خير دليل على التضييق الذي طوّقنا، حيث منعوا عنا الدعم داخل البلاد ومن خارجها.

كنت أول من التجأ إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي التي ستقف إلى جانبنا عن طريق عبد الإله بنعبد السلام، حيث سأتعرف على منظمات وصحافيين أثاروا قضيتنا التي حاول المسؤولون طيها نهائيا عبر إهمالنا. لم نجد أي دعم مادي ولا معنوي ولا نفسي في بلادنا وطالنا الإهمال التام المصحوب بالتضييق، مقابل تلقينا مساندة ومصاحبة من منظمة أمنستي الدولية التي عبر مجموعات كانت تتكلف باثنين أو ثلاثة منا وترسل إلينا حوالات نقدية، ورغم أنها كانت متواضعة فقد كانت بديلا إنسانيا لللامبالاة التي عانينا منها والنكث بالوعود والتجاهل من طرف الدولة المسؤولة عما حلّ بنا وتبعات ذلك، وعندما نقصد مسؤولا كما لو أن الطير نزل على رأسه.

أذكر في إطار التضييقات التي طوقتنا ولم تتركنا نداوي جروحنا، أن قائد سيدي بطاش استدعاني ذات يوم وأرسلني إلى عامل الخميسات كي أستفيد بدوري من صندوق خاص لتقديم دعم مالي، أتذكر أن جمعا من المواطنين كانوا في قاعة الانتظار داخل مقر العمالة، ولما أخبرت العامل بمقصدي وأن القائد هو من أحالني إلى هنا قابل مطلبي باحتقار وتعجرف كما لو أني طلبت المستحيل منه، قال لي إن العمالة منهمكة في كيفية تسوية مشاكل الشباب الذين ينتظرون في القاعة، فهمت قصده وأوصيته بالعناية بالشباب مادمنا نحن تجاوزنا الزمن وأكمل علينا الإهمال. لقد كان بإمكان العامل أن يمد لي يد المساعدة لو أراد وتفهم وضعي، إذ استفاد أصدقاء في سيدي قاسم من منحة شهرية بفضل تدخل العامل هناك.

في هذه الفترة بدأت ألتقي مع صديقاي الناجيين المرزوقي والرايس، وكثفنا اتصالاتنا مع صحافيين من منابر دولية، ولم يخب ظننا فيهم إذ ساعدونا كثيرا بالتدخل على مستوى سفارات بعض الدول، خصوصا الصحافي دال وزوجته التي كانت تدير إذاعة فرسا الدولية التي كان متتبعة جيدة لقضية المعتقلين السياسيين بالمغرب. كما وجدنا دعما من وكالة الأنباء الإسبانية بواسطة يونس مجاهد، وأيضا وكالة رويترز التي كان يديرها الصحافي ستفين يودح ويساعده علي بوزردة.

لم نفقد الأمل في أن تلتفت الدولة إلينا، لكن لا آذان صاغية، بل صماء، خصوصا اتجاهنا نحن الثلاثة الرايس والمرزوقي وأنا، إذ كنا نناضل ونتحرك بكثرة بعدما وعينا بما لا يدعنا نشك قيد أنملة أن الدولة تنكرت وأدارت ظهرها، مقابل آخرين لم يتحركوا، كل حسب ظروفه و”نيته”. لقد كان من بين الناجين من تزمامارت من تفاعل معهم المسؤولون، كصديق في الدار البيضاء تدخل له العامل ومكنه من تقلد منصب مدير حديقة، وآخر في آسفي استفاد من رخصة للنقل “كريمة”، وغيرها من الامتيازات التي كانت من حظ البعض الآخر. في المقابل تعرض آخرون لضغوط عائلية نظرا لمكانة بعض أفرادها في المجتمع وبالتالي توجسوا من تعرضهم لمشاكل.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
reda
المعلق(ة)
1 يونيو 2019 10:29

salam ila bgit na9ra lhala9at sabika maymakanch un site marocain

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x